في خطوة أثارت جدلاً واسعًا، أعلنت لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب عن الموافقة على تعديل جديد يفرض زيادة ضريبية على منتجات التبغ، تشمل رفع ضريبة القيمة الثابتة بواقع 50 قرشًا على كل علبة سجائر، وهو القرار الذي يأتي ضمن خطة الدولة لزيادة الإيرادات العامة وتقليل العجز في الموازنة. هذه الخطوة لها أبعاد اقتصادية واجتماعية وصحية تتطلب التوقف عندها وتحليل نتائجها المتوقعة.
أقرت لجنة الخطة والموازنة في البرلمان ضمن مشروع تعديل قانون ضريبة القيمة المضافة، إضافة 50 قرشًا كضريبة ثابتة على كل علبة سجائر يتم تداولها داخل السوق المحلي. وتشمل هذه الزيادة جميع الأنواع، سواء المحلية أو الأجنبية.
هذا القرار يأتي استكمالًا لمجموعة من الزيادات السابقة التي أقرتها الحكومة على منتجات التبغ، والتي تهدف بشكل رئيسي إلى تعزيز الإيرادات العامة للدولة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها.
تسعى الحكومة من خلال هذا القرار إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، منها:
السجائر تُعد من أكثر السلع استهلاكًا في مصر، حيث تشير التقديرات إلى أن ملايين العلب تُباع يوميًا، وهو ما يجعلها مصدرًا سريعًا وفعالًا لزيادة دخل الدولة من الضرائب.
تعمل الحكومة على تقليل العجز السنوي في الموازنة العامة، وزيادة الضريبة على السلع غير الأساسية مثل السجائر يُعد من الأدوات المتاحة لذلك.
تُعد الضرائب على التبغ وسيلة أيضًا لتمويل برامج صحية توعوية، خاصة أن التدخين من أكثر مسببات الأمراض المزمنة، وبالتالي يُنظر إلى هذه الضريبة كوسيلة مزدوجة: تقليل الاستهلاك ودعم القطاع الصحي.
لاقى القرار استياءً من قطاع واسع من المدخنين، الذين رأوا أن هذا العبء الإضافي يُزيد من الضغط على ميزانياتهم، خاصة مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات في الآونة الأخيرة.
في المقابل، أبدت جهات صحية ومجتمعية دعمها للقرار، مؤكدة أن رفع أسعار السجائر يُعد وسيلة فعالة لتقليل نسب التدخين، خصوصًا بين فئة الشباب وصغار السن.
أعرب بعض التجار والموزعين عن خشيتهم من أن يؤدي هذا القرار إلى تنشيط السوق السوداء وتهريب السجائر منخفضة السعر، ما قد يضر بالاقتصاد الرسمي.
وفقًا للتقديرات الأولية، من المتوقع أن يرتفع سعر علبة السجائر الشعبية (مثل الكليوباترا بأنواعها) بمقدار 50 قرشًا إلى جنيه واحد حسب آليات التسعير، بينما قد ترتفع أسعار الأنواع المستوردة أو الفاخرة بمقدار أكبر إذا ما أضيفت رسوم الشحن والضريبة المركبة.
من المنتظر أن تُعلن الشركات المصنعة خلال الأيام المقبلة عن قوائم الأسعار الجديدة التي تتماشى مع القرار البرلماني.
عدد المدخنين: تشير التقديرات إلى أن نحو 20 مليون مصري يستخدمون منتجات التبغ بشكل منتظم.
متوسط الاستهلاك: يستهلك الفرد ما يقرب من علبتين إلى ثلاث علب يوميًا.
حجم الإنفاق السنوي: يُقدر إجمالي ما يُنفقه المصريون على السجائر والتبغ بأكثر من 80 مليار جنيه سنويًا.
هذه الأرقام توضح كيف يمكن للزيادة الضريبية أن تؤثر بشكل مباشر على شريحة ضخمة من السكان، وأيضًا كيف يمكن أن تدر دخلاً كبيرًا على خزينة الدولة.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من الدول سبق وأن لجأت إلى هذه السياسة الضريبية لتحقيق أهدافها الاقتصادية والصحية، مثل:
فرنسا: طبّقت زيادات تدريجية على أسعار السجائر لخفض معدلات التدخين.
تركيا: فرضت ضريبة إضافية على منتجات التبغ ضمن خطتها لخفض العجز.
جنوب إفريقيا: استخدمت العائدات الضريبية من السجائر لدعم خدمات الرعاية الصحية.
وقد أثبتت الدراسات أن هذه السياسات تُسهم بشكل فعّال في تقليل عدد المدخنين، خاصة بين الفئات العمرية الأصغر.
من المتوقع أن يُسهم القرار في زيادة حصيلة الضرائب من التبغ بنحو 3 إلى 5 مليارات جنيه سنويًا، بحسب معدل الاستهلاك.
نظرًا لأن السجائر ليست من السلع الأساسية، فمن غير المرجح أن يكون لهذه الزيادة أثر مباشر على معدلات التضخم العامة.
تبقى المشكلة الأكبر في أن شريحة كبيرة من المدخنين من الطبقات المتوسطة والفقيرة، ما يجعل من الصعب عليهم تحمل أعباء إضافية دون دعم صحي أو حملات توعية فعّالة.
تدعم منظمة الصحة العالمية سياسات زيادة الضرائب على التبغ كأداة فعالة لخفض نسب التدخين، ومن أهم النتائج المتوقعة:
انخفاض معدلات التدخين بين الشباب بنسبة تصل إلى 15% في غضون عامين.
خفض عدد الإصابات بالأمراض التنفسية والسرطانات المرتبطة بالتدخين.
تقليل العبء على المستشفيات ووحدات الرعاية الصحية في علاج الأمراض المزمنة الناتجة عن التدخين.
رغم أن كثيرين يشككون في قدرة زيادة الأسعار على تقليل الإدمان الفعلي، إلا أن هناك تجارب عملية تثبت أن ارتفاع السعر يؤدي فعليًا إلى:
تقليل الاستهلاك اليومي.
عزوف المدخنين الجدد عن بدء عادة التدخين.
تشجيع البعض على الإقلاع عبر اللجوء إلى بدائل صحية.
من المهم أن ترافق هذه السياسات خطوات داعمة، مثل:
إطلاق خطوط ساخنة للمساعدة النفسية للإقلاع عن التدخين.
دعم الصيدليات بمستحضرات بديلة بأسعار مناسبة (نيكوتين، لصقات، علكة).
توفير جلسات إرشاد مجاني في المستشفيات العامة.
جاء قرار لجنة الخطة والموازنة بزيادة ضريبة 50 قرشًا على علبة السجائر في إطار خطة متكاملة للدولة تهدف إلى دعم الإيرادات ومكافحة العجز، لكن تأثير القرار يتعدى الجوانب المالية ليصل إلى الصحة العامة والعادات المجتمعية. وبينما يرحب البعض بهذا التوجه، يرى فيه آخرون عبئًا جديدًا على كاهل المواطن البسيط.
ومع أن نتائج هذه الخطوة لن تظهر بين يوم وليلة، فإنها تعكس توجهًا عامًا نحو الحد من استهلاك التبغ وتشجيع أنماط الحياة الصحية، وهي سياسة تحتاج إلى استكمال بالأدوات المساعدة والدعم المجتمعي لتنجح في تحقيق أهدافها.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt