ميكسات فور يو
حكم قتل المريض الميؤوس من شفائه.. دار الإفتاء تجيب
الكاتب : Mohamed Abo Lila

حكم قتل المريض الميؤوس من شفائه.. دار الإفتاء تجيب

حكم قتل المريض الميؤوس من شفائه.. دار الإفتاء تجيب


يثار بين الحين والآخر نقاش واسع في الأوساط الطبية والدينية والاجتماعية حول مسألة "قتل الرحمة" أو ما يعرف طبيًا باسم القتل الرحيم، وهو إنهاء حياة مريض يُعاني من مرض عضال ميؤوس من الشفاء منه، وغالبًا ما يكون في حالة ألم شديد ومعاناة لا تنتهي. يتساءل البعض: هل يجوز شرعًا إنهاء حياة هذا المريض؟ وما هو رأي الشرع الإسلامي في هذا النوع من القرارات؟ وهل يختلف الحكم إذا كان بطلب المريض نفسه أو بموافقة الأهل؟

دار الإفتاء المصرية تناولت هذا السؤال المهم أكثر من مرة، وأكدت أن هذه القضية تمس واحدة من أخطر القضايا المرتبطة بالحياة والموت، وتتطلب حسمًا فقهيًا واضحًا، بعيدًا عن التأثر بالعواطف أو الضغوط الطبية.

في هذا التقرير، نعرض بالتفصيل حكم قتل المريض الميؤوس من شفائه، وتحليل رأي دار الإفتاء، والأدلة الشرعية، وتأثير هذه الفتوى على الأطباء والأسر، كما نوضح الفرق بين إيقاف العلاج والإجهاز على الحياة.



ما هو القتل الرحيم؟

القتل الرحيم هو مصطلح يُستخدم لوصف عملية إنهاء حياة مريض يعاني من مرض ميؤوس من شفائه، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بآلام شديدة، ولا أمل في تحسن حالته. يُقسم القتل الرحيم إلى نوعين:

  • قتل رحيم إيجابي: أن يقوم الطبيب أو غيره بإعطاء المريض جرعة قاتلة تنهي حياته مباشرة.

  • قتل رحيم سلبي: أن يتم الامتناع عن إعطاء المريض العلاج اللازم لإنقاذ حياته، وتركه يموت بشكل طبيعي.

بعض الدول الأوروبية تسمح بالقتل الرحيم قانونيًا وفق ضوابط، مثل هولندا وبلجيكا وسويسرا، بينما تحرّمه معظم التشريعات في الدول الإسلامية والعربية.


دار الإفتاء المصرية تحسم الجدل

أكدت دار الإفتاء المصرية أن القتل الرحيم بجميع صوره حرام شرعًا، ولا يجوز بأي حال من الأحوال، سواء تم بناءً على طلب المريض أو موافقة الأهل أو حتى بتقدير الطبيب، لأنه إزهاق للروح التي لا يملكها إلا الله.

وذكرت الدار أن المريض، مهما بلغ من الألم أو المرض، يبقى إنسانًا له حرمة الحياة الكاملة، ولا يجوز المساس بحياته. وأضافت أن الشريعة الإسلامية تحرم قتل النفس ولو بدافع الرحمة، لأن الضرر لا يُزال بضرر أكبر منه، كما أن الرحمة بالمريض تكون بالدعاء له، وتخفيف آلامه، وليس بإزهاق روحه.


الأدلة الشرعية

استندت دار الإفتاء إلى أدلة شرعية واضحة من القرآن الكريم والسنة النبوية، ومنها:

  • قوله تعالى: "ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق" [الأنعام: 151]

  • وقوله: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" [البقرة: 195]

  • وقوله: "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابًا مؤجلًا" [آل عمران: 145]

وفي السنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".

وهذه الأدلة جميعها تؤكد أن القتل لا يجوز إلا في حالات محددة بنص شرعي، والمرض والألم لا يبرران القتل أبدًا.


هل يجوز رفع الأجهزة عن المريض؟

فرّقت دار الإفتاء بين قتل المريض عمدًا، وبين رفع الأجهزة الطبية عن مريض دخل في حالة موت دماغي كامل، وأصبح ميؤوسًا من عودته إلى الحياة.

في هذه الحالة، أوضحت الدار أنه إذا قرر الأطباء المسلمون الثقات أن المريض قد مات إكلينيكيًا (موت المخ الكامل)، وأصبح في حكم الميت، فإنه يجوز رفع الأجهزة عنه ولا يُعد ذلك قتلًا.

أما إذا كان لا يزال هناك نشاط في المخ أو القلب، فرفع الأجهزة عنه يُعتبر سببًا مباشرًا في وفاته، وهو قتل محرم شرعًا.


موقف الأطباء من القتل الرحيم

الأطباء المسلمون يقفون أمام القتل الرحيم موقفًا حرجًا، خاصةً في الحالات التي يفقد فيها المريض الوعي تمامًا، ويُصاب بضمور في الأعضاء، أو يدخل في غيبوبة طويلة.

رأي الفقه الإسلامي والفتاوى الصادرة عن المجامع الفقهية أكدت أن الطبيب مسؤول عن رعاية المريض وليس إنهاء حياته، وأن مهمته تنتهي عند بذل أقصى ما يمكن من علاج، ثم يُترك الأمر لله، سواء بالشفاء أو بالموت.

كما نصّت مواثيق مهنية دولية مثل "إعلان جنيف" و"ميثاق الأطباء العالمي" على أن حياة الإنسان لها كرامة، وأن الطبيب لا يجب أن يكون أداة لإنهاء الأرواح تحت أي ظرف.


ماذا لو طلب المريض إنهاء حياته؟

في بعض الحالات، يُصر المريض نفسه على إنهاء حياته، وقد يُعبّر عن ذلك صراحةً، خصوصًا من يعانون أمراضًا مزمنة مؤلمة. لكن الشريعة الإسلامية لا تعترف بحق الإنسان في التخلص من حياته، لأن الحياة أمانة من الله وليست ملكًا شخصيًا.

ورأت دار الإفتاء أن مثل هذا الطلب لا يُبيح للطبيب أو الأسرة التجاوب معه، بل يُعد محاولة للانتحار، ويجب منعه لا تشجيعه. كما أكدت أن واجب المجتمع هو دعم المريض نفسيًا وروحيًا، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة لتخفيف ألمه، لا إنهاء حياته.


تأثير الفتوى على الواقع المصري

أحدثت هذه الفتوى ارتياحًا في أوساط طبية ودينية، خاصةً في ظل بعض الحالات التي أثيرت مؤخرًا في المستشفيات، وظهور مطالبات تحت شعار "الرحمة فوق القانون". كما جاءت الفتوى لتؤكد ثوابت الشريعة، وتُطمئن الناس بأن الدين لا يفرّط في قيمة الحياة مهما اشتد الألم أو المرض.

كما ساهمت هذه الفتوى في توعية الجمهور بأن الشفقة لا تعني القتل، وأن هناك فرقًا بين الرعاية التلطيفية وإنهاء الحياة عمدًا. وأكدت الجهات الصحية أنها ملتزمة بالتعليمات الصادرة، وستعمل على تطوير وحدات الرعاية لتخفيف معاناة المرضى بدلًا من اللجوء إلى مثل هذه الحلول.


نصائح للمرضى وأهاليهم

  • لا تفقدوا الأمل، فكم من مريض ظن الناس موته فشفاه الله.

  • الالتجاء إلى الدعاء والتضرع لله في لحظات الألم.

  • التركيز على العلاج التلطيفي وتقليل الألم بوسائل آمنة.

  • استشارة أكثر من طبيب وعدم الانفراد بقرار مصيري.

  • عدم الانسياق وراء عواطف تؤدي إلى قرارات غير شرعية.

  • الصبر على الابتلاء، فالأجر على قدر الصبر، والمريض يُكفّر عنه الذنوب.


خلاصة

أجابت دار الإفتاء المصرية بوضوح تام أن قتل المريض الميؤوس من شفائه، سواء بطلبه أو دون طلبه، حرام شرعًا ولا يجوز بأي حال من الأحوال، ويُعد جريمة شرعية وأخلاقية، حتى لو سُميت "قتلًا رحيمًا".

وأكدت أن الحياة هبة من الله، لا يجوز لأحد أن ينهيها إلا خالقها، وأن الواجب في هذه الحالات هو توفير الرعاية، والدعم النفسي، والدعاء، لا إنهاء الحياة تحت أي مسمى.

وتُعد هذه الفتوى خطوة حاسمة لضبط النقاش العام حول هذه القضية، وتأكيدًا أن الإسلام يحفظ الحياة ويمنع التعدي عليها مهما كانت المبررات.

التعليقات

لا يوجد تعليقات

اترك تعليق

يجب تسجيل الدخول أولا. تسجيل الدخول

قد يهمك أيضا

تعــرف على ميكسات فور يو
اتصل بنا
سياسة الخصوصية
من نحن
خريطة الموقع
تابعنا علي منصات السوشيال ميديا

جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt

Loading...