ويأتي هذا القانون في إطار خطة الدولة لتحديث المنظومة التشريعية الخاصة بسوق العمل، بما يواكب التطورات الاقتصادية والاجتماعية، ويسهم في جذب الاستثمارات وتحقيق التوازن بين مصلحة العامل وصاحب العمل.
تضمنت المسودة الأولية لمشروع القانون عددًا من المواد التي تمثل تغييرًا جوهريًا في فلسفة التعامل مع سوق العمل، من بينها:
إلغاء الفصل التعسفي للعامل دون حكم قضائي
إلزام صاحب العمل بعقد عمل موثق وشامل لكل الحقوق
تحديد مدد العقود المؤقتة، ومنع التلاعب بها لتجنب التثبيت
إنشاء محاكم عمالية متخصصة للفصل السريع في النزاعات
إقرار حد أدنى من الإجازات السنوية والراحة الأسبوعية
تنظيم إجراءات الاستقالة والرجوع عنها خلال مهلة محددة
إنشاء صندوق لحماية العمالة غير المنتظمة وضمان معاشات لهم
هذه البنود تمثل نقلة نوعية على مستوى حماية الحقوق، لكنها في الوقت نفسه أثارت مخاوف لدى رجال الأعمال من تعقيد إجراءات التوظيف وزيادة الأعباء المالية والإدارية.
رغم أن المشروع يسعى لتحقيق التوازن، إلا أن بعض المواد كانت محل نقاش حاد، أهمها:
ينص القانون على أن العامل الذي يُجدد له عقد مؤقت أكثر من مرتين أو تتجاوز مدة عمله 4 سنوات، يجب تثبيته تلقائيًا. يرى البعض أن هذا البند قد يُقلل من فرص التوظيف المرنة التي تحتاجها بعض الصناعات الموسمية.
يُلزم القانون صاحب العمل بأن لا يعتمد استقالة العامل إلا بعد توثيقها أمام جهة رسمية، وهو ما أثار اعتراض بعض رجال الأعمال الذين يرون أن هذه الإجراءات قد تعرقل الإدارة الداخلية.
منع القانون فصل العامل دون حكم قضائي نهائي، وهو ما اعتبره أصحاب المصانع تهديدًا لمرونة اتخاذ القرار في حالة ارتكاب مخالفات داخلية.
عبّر عدد كبير من العمال في قطاعات مختلفة عن ارتياحهم تجاه بعض مواد القانون، خصوصًا تلك المتعلقة بحماية الحقوق وضمان الاستقرار الوظيفي.
وقد تركزت المطالب العمالية في:
تثبيت العاملين بعقود طويلة الأجل
ضمان صرف الأجور في مواعيدها
منع التسريح التعسفي دون أسباب قانونية
توسيع مظلة التأمينات والمعاشات لتشمل جميع العمالة
تنظيم الإجازات وساعات العمل الرسمية بشكل واضح
ورغم أن البعض لا يزال يتحفظ على فقرات معينة، إلا أن هناك شبه إجماع على أن المشروع يمثل تحسنًا مقارنة بالقانون القديم.
في المقابل، عبّر عدد من أصحاب الشركات والمصانع عن مخاوفهم من أن يؤدي القانون إلى:
زيادة الكلفة التشغيلية نتيجة فرض التزامات مالية إضافية
تعقيد إجراءات الفصل والتأديب
تقليص مرونة التشغيل خاصة في القطاعات المتغيرة
تأثير سلبي على استقطاب العمالة المؤقتة والموسمية
ازدواجية في تفسير بعض المواد قد تفتح أبواب النزاع القضائي
ويرى بعض المستثمرين أن القانون بحاجة إلى توازن أكثر في بعض النقاط، مع منح الشركات مرونة أكبر في إدارة العمالة دون المساس بالحد الأدنى من الحقوق.
أكدت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب أن الهدف من القانون ليس الانحياز لأي طرف، بل ضبط العلاقة التعاقدية، وتوفير بيئة عمل عادلة وآمنة ومستقرة.
وأشار النواب إلى أن القانون يمنع الاستغلال في سوق العمل، سواء من صاحب العمل أو من العامل، ويؤسس لثقافة احترام العقود والتزامات الطرفين.
كما أوضح أعضاء اللجنة أن القانون سيتم طرحه للحوار المجتمعي قبل إقراره، لضمان مشاركة جميع الأطراف في صياغته النهائية.
من المنتظر أن يكون للقانون تأثير مباشر على سوق العمل المحلي، سواء من حيث تحسين صورة البيئة التشريعية أمام المستثمرين، أو من حيث تشجيع الشباب على الانخراط في سوق العمل الرسمي.
ومن أبرز الآثار المتوقعة:
تقليل معدلات البطالة غير الرسمية
دمج شريحة أكبر من العمالة في منظومة التأمينات
تحفيز الالتزام القانوني داخل المؤسسات
تحسين العلاقة بين الطرفين وتقليل النزاعات
تحسين تصنيف مصر في مؤشرات التنافسية العالمية
لكن كل ذلك يظل مرهونًا بجودة التطبيق، وعدم تحويل النصوص إلى عبء على طرف دون الآخر.
دعا عدد من خبراء الموارد البشرية والتشريعات إلى:
وضع لائحة تنفيذية مرنة توضّح آليات التطبيق
تدريب مسؤولي الموارد البشرية على مواد القانون
تطوير نظم إلكترونية لتوثيق العقود والاستقالات
تعزيز منظومة القضاء العمالي للفصل السريع
دمج القانون ضمن خطة الإصلاح الإداري الشامل للدولة
وأشاروا إلى أن القانون وحده لا يكفي لضمان العدالة، ما لم يُقرَن بإرادة تنفيذية ومتابعة على الأرض، إلى جانب رفع وعي الطرفين بحقوقهم وواجباتهم.
يأتي مشروع قانون العمل الجديد في وقت دقيق تسعى فيه الدولة لإعادة ترتيب سوق العمل وتحقيق بيئة عادلة ومتوازنة، تحفظ حقوق العامل وتحترم متطلبات أصحاب الأعمال.
ورغم أن الجدل لا يزال قائمًا، فإن القانون يمثل فرصة حقيقية لإصلاح تشريعي طال انتظاره، بشرط أن يتم تطبيقه بروح من التوازن والانصاف.
إن تحقيق الاستقرار في بيئة العمل لن يتأتى فقط من التشريعات، بل من التزام عملي بالتنفيذ العادل، وفتح قنوات دائمة للحوار بين الحكومة وأطراف الإنتاج الثلاثة: الدولة، وأصحاب الأعمال، والعمال.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt