في إطار متابعة الحكومة المستمرة لتطوير المنظومة التعليمية في مصر، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن نجاح الدولة في تقليص الكثافات الطلابية داخل الفصول الدراسية، مؤكدًا أنه لم يعد هناك أي فصل مدرسي يتجاوز عدد الطلاب فيه 50 طالبًا، وهي خطوة هامة على طريق تحسين جودة التعليم وتوفير بيئة تعليمية ملائمة لجميع الطلاب.
تصريحات رئيس الوزراء جاءت خلال اجتماعه الأخير مع وزير التربية والتعليم وعدد من قيادات الوزارة، حيث استعرض خلاله التحديات التي واجهت قطاع التعليم في السنوات الماضية، والجهود التي بذلتها الدولة من أجل التغلب على مشكلة الكثافة الطلابية التي كانت تؤرق الطلاب والمعلمين على حد سواء.
لطالما كانت مشكلة الكثافة الطلابية واحدة من أبرز التحديات التي تؤثر سلبًا على جودة التعليم، خاصة في المحافظات ذات الكثافة السكانية العالية، وعلى رأسها القاهرة والجيزة والشرقية والدقهلية. وكانت بعض الفصول تضم أكثر من 70 أو 80 طالبًا في الفصل الواحد، ما كان يعيق التواصل الجيد بين المعلم والطالب، ويؤثر على التحصيل الدراسي بشكل عام.
وتؤكد الحكومة أن هذه الظاهرة باتت تحت السيطرة، بفضل تنفيذ خطة موسعة لبناء مدارس جديدة، وإعادة تأهيل المدارس القائمة، وتطبيق نظام الفترتين أو الثلاث فترات في بعض المناطق التي تعاني من الكثافات المرتفعة، وذلك إلى جانب الاعتماد على النماذج الحديثة للمدارس الذكية والتعليم الرقمي.
أوضح الدكتور مصطفى مدبولي أن الدولة لا تزال تضع التعليم على رأس أولوياتها، مؤكدًا أن القضاء على ظاهرة تكدس الطلاب داخل الفصول لم يكن بالأمر السهل، لكنه تم من خلال تضافر جهود العديد من الجهات والوزارات المعنية، بالتعاون مع المجتمع المدني والقطاع الخاص في بعض المحافظات.
وأشار إلى أنه تتم حاليًا مراجعة أعداد الطلاب في كل فصل بشكل مستمر، من خلال قاعدة بيانات مركزية دقيقة، تُحدّث بصفة دورية بالتنسيق بين وزارة التربية والتعليم والمديريات التعليمية، لضمان عدم عودة الكثافات مرة أخرى، خاصة مع الزيادة السكانية السنوية.
بحسب التصريحات الرسمية، فإن الدولة المصرية قامت خلال السنوات الخمس الأخيرة بإنشاء ما يزيد على 15 ألف فصل دراسي جديد، وذلك ضمن خطط التوسعات في التعليم الأساسي والتعليم الفني. وتم التركيز على المناطق ذات العجز الشديد في عدد الفصول، مثل المناطق العشوائية، والقرى النائية، وبعض الأحياء في المدن الكبرى.
كما تم إدخال معايير تصميم جديدة للفصول الدراسية، بحيث تسمح بتقليل عدد الطلاب داخل الفصل إلى حد أقصى 40 طالبًا، بما يضمن بيئة تعليمية جيدة، ويتيح للمعلم القدرة على التواصل الفعّال مع كل طالب.
رغم التقدم الملحوظ في تقليص الكثافات، إلا أن بعض الخبراء يرون أن الوصول إلى المعدلات العالمية يتطلب المزيد من التوسع في بناء المدارس، خاصة في المناطق ذات النمو السكاني السريع. فبينما تُعتبر كثافة 50 طالبًا في الفصل أمرًا مقبولًا مقارنة بالماضي، فإن المعدل الأمثل عالميًا يتراوح ما بين 25 إلى 30 طالبًا فقط.
وتؤكد الحكومة أنها تسعى تدريجيًا للوصول إلى هذا المستوى من خلال الاستثمار في البنية التحتية التعليمية وتطوير النظم الإدارية وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا.
إلى جانب الحلول التقليدية، تعتمد الدولة بشكل متزايد على التكنولوجيا في التعليم، كأحد السبل المبتكرة لتقليل الضغط على الفصول الدراسية. وقد شهدت السنوات الأخيرة إطلاق العديد من المنصات التعليمية، مثل بنك المعرفة المصري، ومنصات التعليم الإلكتروني التي تسمح للطلاب بالتفاعل مع المحتوى الدراسي من المنزل.
كما يجري تطبيق تجريبي لنظام "الفصل الذكي" في بعض المدارس، وهو ما يتيح إمكانية التعليم عن بُعد أو التعليم الهجين، بما يساهم في تخفيف الضغط داخل المدارس وتقليل الكثافات على المدى الطويل.
ضمن رؤية الدولة 2030 لتطوير التعليم، تم تخصيص جزء كبير من الاستثمارات لتحديث منظومة التعليم الفني، بما في ذلك إنشاء مدارس تكنولوجية تطبيقية بالشراكة مع القطاع الخاص، وتحديث المناهج، وبناء فصول جديدة مجهزة بأحدث الوسائل التعليمية.
وقد أسهم هذا التوجه في استيعاب عدد كبير من الطلاب داخل منظومة التعليم الفني، مما ساعد بشكل غير مباشر في تخفيف الضغط على مدارس التعليم العام.
إلى جانب بناء المدارس، ركزت وزارة التربية والتعليم على تعيين معلمين جدد في مختلف التخصصات، وذلك لسد العجز القائم، وتوزيع الطلاب على فصول أكثر. وتم تنفيذ أكثر من مسابقة خلال العامين الماضيين لتعيين عشرات الآلاف من المعلمين، إلى جانب توفير برامج تدريبية لهم لتأهيلهم للتعامل مع التحديات الجديدة.
أشاد رئيس الوزراء خلال تصريحاته بدور المجتمع المدني ومؤسسات العمل الخيري التي ساهمت في بناء وصيانة عدد من المدارس، وتوفير بعض الاحتياجات الأساسية، مثل المقاعد والسبورات والوسائل التعليمية، لا سيما في المناطق النائية والقرى الأكثر احتياجًا.
وأكد أن الحكومة ترحب بكل مبادرة تساهم في دعم العملية التعليمية، وأن الشراكة المجتمعية تُعد إحدى ركائز النهوض بالتعليم في مصر.
تشمل رؤية الدولة المستقبلية تطوير خرائط توزيع المدارس في جميع المحافظات، والتنبؤ بالزيادات السكانية المستقبلية، ووضع خطط استباقية لبناء المدارس وفقًا لاحتياجات كل منطقة، حتى لا تتكرر أزمة الكثافات مرة أخرى.
كما تسعى الحكومة إلى دمج التكنولوجيا في الإدارة المدرسية، واستخدام نظم رقمية لرصد أعداد الطلاب، وضمان التوزيع العادل للموارد والإمكانيات.
تصريحات رئيس مجلس الوزراء بشأن انتهاء ظاهرة تكدس الفصول الدراسية لأكثر من 50 طالبًا تمثل نقلة نوعية في مسار تطوير التعليم في مصر. وقد نجحت الدولة بالفعل في تحقيق تقدم ملحوظ في هذا الملف الشائك، لكنها لا تزال أمامها تحديات كبيرة تتطلب استمرار الجهود والتخطيط السليم، حتى تصبح المدارس المصرية بيئة تعليمية نموذجية تسهم في بناء أجيال أكثر وعيًا وكفاءة.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt