شهدت أسعار الدولار في مصر خلال الأشهر الأخيرة تذبذبًا ملحوظًا، وسط تطورات داخلية وخارجية أثرت بشكل مباشر على سوق الصرف. ويأتي اليوم الجمعة 25 يوليو 2025 ليؤكد استمرار حالة التقلبات، بعد أن سجل الدولار الأمريكي ارتفاعًا جديدًا أمام الجنيه المصري، مما يعكس استمرار الضغوط الاقتصادية وارتفاع الطلب على العملة الأجنبية في ظل الظروف العالمية الراهنة.
وفي وقت تعتبر فيه العملة الأمريكية مرآة تعكس الواقع الاقتصادي المحلي والدولي، أصبح من المعتاد أن تتصدر تحركات الدولار عناوين الأخبار اليومية في مصر، نظرًا لتأثيرها الواسع على كافة القطاعات، من الاستيراد، مرورًا بأسعار الوقود والذهب، وصولًا إلى تكاليف المعيشة اليومية.
وفقًا لما أعلنته البنوك المصرية اليوم، جاء متوسط سعر صرف الدولار أمام الجنيه على النحو التالي:
سعر الشراء: 50.25 جنيهًا
سعر البيع: 50.40 جنيهًا
وتفاوت السعر بين البنوك الحكومية والخاصة، إلا أن الفارق لم يتعدَ عدة قروش، وهو ما يعكس استقرارًا نسبيًا بعد الزيادة الأخيرة التي حدثت منتصف الأسبوع.
ويُذكر أن هذه الأسعار تُعد الأعلى منذ بداية العام، مما يدفع المحللين للتساؤل عن المسار المستقبلي للعملة الأمريكية، وما إذا كانت هذه الزيادة مؤقتة أم مقدمة لتحركات أكبر.
ارتفاع سعر الدولار في السوق المصري لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة مجموعة من العوامل المحلية والعالمية، أهمها:
رغم التحسن النسبي في عائدات السياحة وقناة السويس، إلا أن الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومي لم تستعد زخمها الكامل بعد، وهو ما حدّ من وفرة الدولار في السوق.
مع استقرار الأسواق بعد فترات ركود، بدأ التجار والمستوردون في استيراد كميات كبيرة من البضائع لتلبية احتياجات السوق، ما زاد من الضغط على الدولار.
سداد أقساط وفوائد القروض الدولية في تواريخ محددة يؤدي إلى سحب كميات كبيرة من الاحتياطي النقدي، وبالتالي التأثير على سعر الدولار محليًا.
تأثر الاقتصاد المصري مثل باقي الاقتصادات النامية بتحركات الدولار عالميًا، وقرارات الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة، ما أدى إلى سحب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة وعودتها إلى الدولار.
بالرغم من الشكاوى المتكررة من بعض المستوردين بشأن صعوبة توفير العملة الأمريكية، تؤكد الحكومة المصرية والبنك المركزي أن الدولار متوفر في السوق المصرفي بشكل منظم، وأن ما يحدث هو نتيجة طبيعية لضغوط مؤقتة وليست أزمة حقيقية.
وقد قام البنك المركزي المصري خلال الأسابيع الماضية بعدة إجراءات لتعزيز السيولة الدولارية، منها:
الإفراج عن بضائع محتجزة بالموانئ.
تنشيط برامج السحب الدولاري بالتعاون مع بعض البنوك.
إطلاق مبادرات تسهّل التحويلات من المصريين بالخارج.
لا يمكن الحديث عن الدولار دون الإشارة إلى تأثيره المباشر على السوق المحلي، إذ تؤدي زيادة سعره إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد، وبالتالي زيادة أسعار السلع والخدمات داخل مصر، ومنها:
السلع الغذائية: خاصة المستوردة مثل القمح، الأرز، الزيوت، والمعلبات.
الوقود: حيث تعتمد مصر على الاستيراد الجزئي لبعض المنتجات البترولية.
الأدوية: نظراً لاعتماد العديد من شركات الأدوية على المواد الخام المستوردة.
الأجهزة الإلكترونية والسيارات: التي تتأثر بشكل كبير بأي ارتفاع في أسعار الدولار.
شهدت الأسواق حالة من الترقب، خاصة في قطاع الذهب، الذي تحرك بدوره صعودًا استجابة لزيادة سعر الدولار، رغم التراجع النسبي في سعر الأوقية عالميًا.
في المقابل، ظهرت تحركات محدودة من المضاربين في السوق السوداء، لكن البنك المركزي بالتعاون مع الجهات الرقابية نجح في احتواء تلك المحاولات بسرعة.
أما المواطنون، فقد انقسمت آراؤهم بين من سارع بشراء الدولار بدافع الادخار أو القلق من مزيد من الارتفاع، وبين من قرر الانتظار ترقبًا لأي تحسن محتمل.
لإعطاء فكرة عن تطور سعر الدولار في مصر، إليك لمحة تاريخية:
2020: متوسط السعر 15.70 جنيهًا
2022: متوسط السعر 18.50 جنيهًا
2023: تجاوز 24.00 جنيهًا
2024: قفز إلى 38.00 جنيهًا مع ضغوط التضخم
2025: كسر حاجز 50.00 جنيهًا للمرة الأولى
وتوضح هذه الأرقام أن العملة المحلية فقدت أكثر من 200% من قيمتها خلال 5 سنوات فقط، مما يجعل إدارة سعر الصرف أولوية وطنية.
أكد خبراء الاقتصاد أن استقرار سعر الدولار لن يتحقق إلا عبر حلول مستدامة، أبرزها:
زيادة الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
جذب استثمارات أجنبية مباشرة، خاصة في القطاعات الإنتاجية.
تحفيز تحويلات المصريين بالخارج، عبر تقديم مزايا تحويل مغرية.
رفع كفاءة السياحة والصادرات لزيادة العائدات الدولارية.
ضبط السوق الموازي بشكل حازم من خلال آليات رقابة فعالة.
رغم صعوبة التنبؤ الدقيق، فإن بعض المؤسسات المالية توقعت أن يتراوح سعر الدولار بين 52 إلى 55 جنيهًا بنهاية العام الجاري إذا استمرت نفس الظروف الحالية.
بينما يرى آخرون أن أي تحسّن في مؤشرات الاقتصاد الكلي أو توقيع اتفاقيات دولية لتمويل مشروعات كبرى قد يدفع الجنيه للتماسك أو حتى التعافي جزئيًا.
ولا شك أن الحكومة والبنك المركزي أمام اختبار حقيقي للسيطرة على سوق الصرف، وضمان استقراره، بما يحافظ على القوة الشرائية للمواطن، ويجنب الاقتصاد مخاطر الانفلات السعري.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt