عادت مناقشات قانون الإيجار القديم إلى الواجهة التشريعية والإعلامية مرة أخرى، وذلك في ظل سعي الحكومة المصرية إلى تحقيق التوازن بين حقوق المالك والمستأجر، خاصة في العقود القديمة التي تعود لعقود طويلة، حيث لا تزال بعض الوحدات تُؤجر بجنيهات معدودة رغم التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.
وتُعَد مسألة زيادة الأجرة واحدة من أبرز النقاط المثيرة للجدل في تعديل القانون، وخصوصًا مع التأكيد الحكومي على مراعاة البعد الاجتماعي وحماية الفئات غير القادرة من أية آثار سلبية.
ترجع الحاجة إلى تعديل القانون إلى عدة أسباب رئيسية، من أبرزها:
عدم تناسب القيمة الإيجارية الحالية مع قيمة الوحدات في السوق، وهو ما يُشكل إجحافًا في حق الملاك.
طول مدد التعاقد دون تحديث لقيمة الإيجار أو إعادة التقييم.
تهالك الكثير من الوحدات بسبب عدم اهتمام المستأجرين بالصيانة نظراً لانخفاض القيمة المدفوعة.
رغبة الدولة في تحريك السوق العقاري بشكل أكثر عدالة ومنع احتكار الوحدات المغلقة.
تضمن مشروع قانون تعديل الإيجار القديم مجموعة من الضوابط والآليات التي تنظم مسألة الزيادة الإيجارية، وتحدد آلية تطبيقها بما يحفظ التوازن بين الطرفين.
وأبرز ما جاء في هذه التعديلات ما يلي:
زيادة تدريجية في الأجرة على مراحل، بحيث لا تُطبق الزيادة مرة واحدة بل تُقسم على عدة سنوات.
عدم المساس بالفئات الأولى بالرعاية من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة وغير القادرين.
إمكانية إثبات عدم القدرة المالية عبر مستندات وشهادات رسمية.
تقنين العلاقة التعاقدية بفترة انتقالية تسمح بالتأقلم على الزيادات.
بحسب ما ورد من تصريحات لمسؤولي وزارة العدل ومجلس النواب، فإن هناك مجموعة من الضوابط الحاكمة لعملية الزيادة، وهي كالتالي:
تم النص على أن تكون الزيادة تدريجية على مدار 5 سنوات، بنسبة محددة سنويًا، تتيح للمستأجر التكيُّف دون أن تُشكل عبئًا مفاجئًا.
وُضع حد أقصى للزيادة السنوية يراعي الظروف المعيشية، بحيث لا تتجاوز نسبة معينة (تم الحديث عن نسبة 15% سنويًا كمقترح مطروح)، مع مراجعة هذه النسبة حسب التضخم أو الظروف الاقتصادية.
الحالات التي تنتمي إلى فئات غير القادرين أو الأولى بالرعاية سيتم استثناؤها من الزيادة أو تخفيفها بنسبة كبيرة، بناءً على تقرير من الجهات المعنية كوزارة التضامن الاجتماعي.
يبدأ تفعيل الزيادة من تاريخ صدور القانون ونشره بالجريدة الرسمية، وليس بأثر رجعي، لتفادي أي تعارض قانوني مع العقود الموقعة سابقًا.
في حالة وفاة المستأجر الأصلي، يضمن القانون انتقال العقد لمدة محددة للورثة من الدرجة الأولى فقط، مع التزامهم بنفس ضوابط الزيادة الإيجارية.
أكدت الحكومة مرارًا أن أية تعديلات سيتم إدخالها على قانون الإيجار القديم لن تُطبَّق بشكل قاسٍ على الفئات الضعيفة، بل ستتزامن مع برامج دعم إضافية وتشريعات مرافقة تراعي الحالة المعيشية لكبار السن وذوي الدخل المحدود.
وقد يُفتح الباب أمام طلب إعانة سكنية أو تخفيف من قيمة الزيادة عبر تقديم أوراق تثبت عدم القدرة، ويُتوقع أن تتولى وزارة التضامن الاجتماعي التنسيق مع الأجهزة المحلية في ذلك.
أثار تعديل القانون تساؤلات كثيرة حول مدى قانونية التدخل في عقود سابقة وُقعت بموجب قانون قائم، وهو ما ردت عليه الجهات المختصة بالتالي:
القانون الجديد لن يُلغى العقود القديمة، بل سيُنظم العلاقة وفق ضوابط جديدة.
العقد شريعة المتعاقدين ما لم يُصدر قانون ينظم العلاقات الخاصة بطرفي التعاقد بشكل عام.
يحق للدولة تعديل القوانين بما يحقق المصلحة العامة ويمنع الإضرار بالمجتمع، طالما أن التعديل لا يُخل بالضمانات الأساسية للطرفين.
لاقت التعديلات ترحيبًا من جانب قطاع واسع من الملاك الذين رأوا أن هذه التعديلات تنصفهم بعد سنوات من الظلم، فيما عبّر البعض عن مخاوفهم من تعرض الأسر البسيطة للطرد أو الضغط المادي، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية.
وفي المقابل، رحبت بعض منظمات المجتمع المدني بالتعديلات ولكن بشرط ضمان تنفيذ فعلي لآليات حماية غير القادرين وتوفير وحدات بديلة عند الحاجة.
يتلخص الهدف الأساسي من القانون الجديد في:
تحقيق عدالة متوازنة بين حقوق المالك والمستأجر.
الحفاظ على الثروة العقارية من التهالك والإغلاق.
ضمان أن تكون القيمة الإيجارية عادلة ومناسبة لمستوى الوحدة وموقعها.
دعم الفئات الفقيرة مع عدم تحميل الدولة أعباء مالية إضافية.
يمثل تعديل قانون الإيجار القديم خطوة جريئة طال انتظارها لعقود، لكن نجاحها الحقيقي سيتوقف على تطبيق الضوابط بدقة وعدالة، وعلى مدى قدرة الحكومة في تحقيق التوازن بين الإنصاف والواقعية الاقتصادية.
فإذا ما نجحت هذه التعديلات في حماية حقوق الطرفين، وتحقيق استدامة اقتصادية واجتماعية، فقد يُكتب لها النجاح كأحد أبرز الإصلاحات القانونية فى العقد الحالي.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt