أثار الدكتور زاهي حواس، عالم الآثار المصري الشهير ووزير الآثار الأسبق، موجة واسعة من الجدل خلال الساعات الأخيرة بعد تصريح جديد له يتعلق بتاريخ الأنبياء في مصر. حيث أكد في لقاء إعلامي حديث أنه "لا توجد حتى الآن أي أدلة أثرية تؤكد تواجد سيدنا إبراهيم أو سيدنا يوسف أو سيدنا موسى في مصر"، وهو ما دفع العديد من المتابعين إلى التفاعل بقوة، ما بين مندهش ورافض ومؤيد لهذا التصريح.
الدكتور زاهي حواس يُعد من أكثر الشخصيات شهرة في مجال الآثار المصرية على مستوى العالم، وله العديد من الاكتشافات والكتب والمشاركات العالمية، وكان لفترة طويلة الواجهة الرسمية للآثار المصرية. وعُرف عنه تصريحاته المثيرة للجدل، خاصة فيما يتعلق بالربط بين النصوص الدينية والتاريخ الفرعوني.
تصريحه الأخير جاء خلال حوار صحفي، تطرق فيه إلى قصة وجود أنبياء بني إسرائيل في مصر، وأكد بشكل قاطع أنه "لا يوجد دليل أثري واحد حتى الآن يمكن الاعتماد عليه لإثبات هذه القصص من وجهة نظر علمية".
زاهي حواس أوضح أن الحديث عن تواجد سيدنا إبراهيم في مصر لا يمكن تأكيده علميًا، مشيرًا إلى أن كل ما يُقال عنه مستند فقط إلى النصوص الدينية، وليس إلى أدلة مادية أو آثار تم العثور عليها داخل الأراضي المصرية.
وأضاف حواس أن "قصة سيدنا يوسف وسيدنا موسى لا تزال تُدرس من منظور ديني، ولم يتم حتى اللحظة العثور على وثيقة فرعونية واحدة أو تمثال أو مقبرة تؤكد وجودهم في مصر"، مبينًا أن العمل الأثري لا يتعامل مع النصوص الدينية كمصادر رسمية دون وجود قرائن مادية.
منذ انتشار التصريحات، انقسمت آراء المتابعين بشكل واضح. فهناك فئة رأت أن زاهي حواس يثير الجدل عمدًا، خاصة مع اقتراب كل موسم تلفزيوني أو مناسبة أثرية، من أجل جذب الانتباه وتصدر العناوين. بينما دافع آخرون عنه باعتباره رجل علم يتحدث من منطلق أدواته البحثية وليس من منطلق عقائدي.
وأعرب البعض عن استيائه من الطعن في قصص دينية لها مكانة عظيمة في نفوس المصريين والعرب، مطالبين بمراعاة مشاعر العامة عند مناقشة مثل هذه المواضيع.
حتى الآن، لم يصدر تعليق رسمي من الأزهر الشريف أو دار الإفتاء المصرية بشأن تصريحات زاهي حواس، لكن عددًا من علماء الدين تفاعلوا معها عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أكد بعضهم أن "غياب الدليل الأثري لا ينفي الحقيقة الدينية"، مشيرين إلى أن الإيمان بالأنبياء وقصصهم جزء من العقيدة الإسلامية، ولا يتوقف على وجود تماثيل أو برديات.
وأكدوا أن الآثار ليست المصدر الوحيد لفهم التاريخ، بل إن النصوص السماوية المُنزّلة تحتل المرتبة الأعلى في التوثيق، ولا يمكن مساواتها بالدليل المادي.
القضية هنا تتجاوز مجرد تصريح فردي، فهي تطرح سؤالًا جوهريًا حول العلاقة بين العلم والدين. فهل يجب أن يتطابق كل ما في الكتب السماوية مع الأدلة الأثرية؟ أم أن هناك حدودًا لكل منهما؟
علماء الآثار يشيرون إلى أن غياب الدليل لا يعني بالضرورة عدم الوجود، بل قد يعني أن البحث لم يصل بعد إلى النتيجة المرجوة، خاصة في ظل ضعف التوثيق لبعض الفترات التاريخية وصعوبة الحفر في مناطق معينة لأسباب أمنية أو عمرانية.
بينما علماء الدين يرون أن الإيمان بالأنبياء واجب حتى في حال عدم وجود دليل مادي، لأن العقيدة لا تُبنى فقط على المشاهدة، بل على التسليم بما أنزله الله في كتبه وعلى ألسنة رسله.
ليست هذه المرة الأولى التي يُدلي فيها زاهي حواس بتصريحات تُثير الجدل، فقد سبق له أن نفى قصة خروج بني إسرائيل من مصر كما وردت في الكتب السماوية، واعتبر أن الروايات الدينية بحاجة لإعادة مراجعة من منظور علمي بحت.
كما تحدث في السابق عن أن شخصية فرعون موسى قد تكون "رمزية"، وليست مرتبطة بأي فرعون بعينه من الملوك المعروفين في التاريخ المصري.
زاهي حواس يطالب بضرورة التعامل مع النصوص الدينية بحذر علمي حين تُقحم في البحث الأثري، مشيرًا إلى أن أي استنتاج تاريخي يجب أن يستند إلى دليل مادي ملموس مثل التماثيل، البرديات، المعابد، المقابر، أو الأدوات اليومية، وليس فقط إلى الروايات المنقولة شفهيًا أو دينيًا.
لكنه في الوقت ذاته لم يُنكر وجود الأنبياء، بل شدد على أن حديثه منصب على "غياب الدليل الأثري فقط"، مؤكدًا احترامه لكافة الأديان ولقصص الأنبياء الواردة في القرآن الكريم والتوراة والإنجيل.
التصريحات التي تمس رموز دينية أو تتعلق بسرديات مقدسة تؤثر بشكل مباشر على الرأي العام، خاصة في بلد مثل مصر، حيث يُعد الدين مكونًا رئيسيًا من مكونات الهوية الثقافية للمجتمع.
ومن هنا يرى بعض المراقبين أن طرح مثل هذه القضايا يجب أن يتم بحذر وبلغة علمية واضحة، مع التأكيد على الفرق بين البحث العلمي والإيمان الديني، حتى لا يُساء فهم التصريحات ويُستغل الأمر بشكل سلبي.
في ضوء التطور المستمر في تكنولوجيا التنقيب وتحليل الحمض النووي والوثائق القديمة، لا يمكن الجزم بأننا لن نصل يومًا إلى أدلة مادية عن وجود الأنبياء في مصر. فالتاريخ لا يزال يحمل الكثير من الأسرار، وبعض الاكتشافات قد تظهر فجأة لتغير وجهات النظر التي كانت تعتبر حاسمة.
وقد سبق أن فُكّت رموز حضارات قديمة بعد عقود من الغموض، لذا فإن تصريحات حواس تظل قابلة للنقاش، لكنها لا يمكن أن تُغلق الباب نهائيًا أمام احتمالات الاكتشافات المستقبلية.
في النهاية، تبقى تصريحات الدكتور زاهي حواس محل نقاش واسع، لكنها تكشف عن الحاجة إلى تعزيز ثقافة الحوار بين التخصصات المختلفة، سواء دينية أو علمية، دون أن يتم تحويل كل اختلاف إلى صدام. فالعلم يبحث عن الأدلة، والدين يُعلّم الإيمان، وكلاهما يكمل الآخر إذا ما فُهم السياق بشكل سليم.
وبينما يستمر البحث عن آثار الماضي، يبقى الإيمان بالرسل والأنبياء ركنًا ثابتًا في قلوب الملايين، لا يهتز بغياب بردية أو أثر، بل يزداد باليقين والطمأنينة الروحية
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt