في ظل التغيرات القانونية والاقتصادية التي تشهدها مصر حاليًا، وخاصة ما يتعلق بقوانين الإيجارات القديمة والجديدة، طُرحت على الساحة تساؤلات دينية وأخلاقية بشأن بعض الممارسات المتعارف عليها بين المؤجرين والمستأجرين، ومنها ما يُعرف باتفاقات "من تحت الترابيزة"، أي الاتفاق على مبلغ مالي إضافي غير منصوص عليه في عقد الإيجار الرسمي.
وقد حسم أحد أمناء الفتوى في دار الإفتاء المصرية الجدل مؤخرًا بتصريح مباشر، مفاده أن الاتفاق على مبلغ غير مدوَّن في العقد الرسمي يعتبر غير جائز شرعًا، مؤكدًا أن مثل هذه المعاملات تُخالف الضوابط الشرعية والشفافية في العقود.
هذا التصريح فتح بابًا واسعًا للنقاش المجتمعي حول مشروعية هذا السلوك المنتشر، وألقى الضوء على أهمية تطهير التعاملات المالية من الغموض والتحايل، خاصة في قطاع حساس مثل العقارات.
يقصد بهذا المصطلح الشعبي:
مبلغ مالي يتم الاتفاق عليه شفهيًا أو عرفيًا بين الطرفين
لا يُدوَّن ضمن عقد الإيجار الرسمي الموقَّع
يُدفع كمقدم إضافي أو ما يُعرف بـ"خلو رجل"
غالبًا ما يُستخدم لتحقيق مكاسب إضافية دون إخطار الجهات الرسمية
وتنتشر هذه الممارسات في بعض المناطق، خاصة عند تأجير محلات تجارية أو وحدات في مواقع متميزة، وهو ما يُعد شكلًا من أشكال التحايل على قوانين الإيجار، وقد يُستخدم للتهرب من الضرائب أو تضليل المراقبة القانونية.
في معرض ردّه على سؤال ورد إلى دار الإفتاء، قال أحد أمناء الفتوى صراحة:
"لا يجوز شرعًا الاتفاق على أي مبلغ مالي خارج إطار عقد الإيجار الرسمي؛ لأن العقود في الشريعة يجب أن تكون واضحة، ومبنية على التراضي والشفافية، دون خفاء أو غموض."
وأضاف أن:
المستأجر الذي يرضى بدفع مبلغ خفي يُضر بنفسه وبغيره
المؤجر الذي يفرض هذا الاتفاق يرتكب محظورًا شرعيًا
يُعد هذا النوع من الاتفاقات نوعًا من أكل المال بالباطل
وقد استندت الفتوى إلى القاعدة الفقهية: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل"، ما لم يكن في مصلحة واضحة للطرفين ومُعلنًا بوضوح.
تُبنى حرمة هذه الممارسة على عدة اعتبارات:
الضرر بالمستأجر: حيث يُجبر على دفع مبلغ خارج العقد دون حماية قانونية
الغبن في العقود: لأن أحد الأطراف يحصل على مقابل أكبر مما يظهر في الأوراق
التحايل على القانون: مما يُخالف مقاصد الشريعة في الحفاظ على الحقوق
التهرب الضريبي: نتيجة عدم توثيق المبلغ الحقيقي
انعدام الشفافية: وهو ما يُفقد العقد صفته القانونية والشرعية
جاءت الفتوى في توقيت حرج، حيث يشهد السوق العقاري في مصر تحولًا جذريًا بعد صدور قوانين جديدة للإيجار، وتزايد الوعي بضرورة توثيق العلاقات التعاقدية.
ويتوقع أن تساهم هذه الفتوى في:
زيادة الوعي الديني لدى أطراف التعاقد
دفع المؤجرين إلى الالتزام بالشفافية في العقود
تراجع حالات فرض "خلو رجل" أو مقدمات خارجية دون سند
الحد من النزاعات القضائية المستقبلية
من الناحية القانونية، يُعد الاتفاق على مبلغ غير مدوَّن في العقد:
باطلًا من الناحية التعاقدية
لا يمكن المطالبة به أمام القضاء
قد يُعرّض المؤجّر للمساءلة حال ثبوت التحايل أو الإكراه
يُفقد العقد مصداقيته أمام الجهات المختصة
وقد شدد خبراء القانون على أن أي مبلغ يُدفع خارج الإطار الرسمي يُعرض الطرفين لمخاطر قانونية خطيرة، منها فسخ التعاقد أو الغرامات.
الشريعة الإسلامية تُولي العقود أهمية قصوى، وتؤكد على:
توثيق العقود وضبط الشروط بين الطرفين
تجنّب الغرر والغموض
التعامل بالعدل والإحسان
الحرص على رضا الطرفين دون استغلال
في حال تم دفع مبلغ خارج العقد، فإن حكم ردّه يختلف بحسب نية الأطراف:
إن دُفع بالإكراه أو الغش، فللمستأجر الحق في استرداده
إن كان المستأجر قد وافق ضمنيًا دون إكراه، فالأمر محل اجتهاد فقهي
ويُستحب التحكيم الشرعي أو اللجوء إلى دار الإفتاء للفصل في الحالات المعقدة
ولكن عمومًا، يُنصح بعدم الدخول في هذه الاتفاقات من الأصل لتفادي الشبهات الشرعية والنزاعات المستقبلية.
لحل الإشكالية، يُنصح بما يلي:
كتابة كل الاتفاقات في عقد موثق ومُعتمد من الجهة المختصة
تحديد القيمة الإيجارية بوضوح
تجنّب فرض مقدمات لا تظهر في العقد
السعي إلى العدل في تحديد القيمة دون إجحاف أو مبالغة
استشارة محامٍ عند توقيع أي عقد لضمان الحقوق
تصريحات أمين الفتوى لم تكن موجهة فقط للمؤجرين، بل شملت أيضًا:
توعية المستأجرين بعدم الرضوخ لهذه الممارسات
تنبيه الوسطاء العقاريين إلى عدم تسهيل الاتفاقات الباطنية
دعوة الدولة إلى مزيد من الرقابة على قطاع الإيجارات
نشر الوعي عبر الإعلام والمنصات الاجتماعية
التأكيد على أن المال الحلال لا يأتي بالغش أو التحايل
تأتي فتوى أمين الفتوى لتضع حدًا شرعيًا واضحًا لممارسات شائعة لكنها غير مشروعة، وتُذكر الجميع بأن الأصل في المعاملات هو الوضوح والصدق والأمانة.
الاتفاق على مبالغ "من تحت الترابيزة" ليس فقط مخالفًا للشرع، بل يُهدد استقرار العلاقة بين الطرفين، ويُضعف من الثقة في سوق العقارات.
الفتوى دعوة صريحة إلى تنظيف العقود من الغموض، وتغليب مبدأ الشفافية، بما يحقق العدالة للطرفين، ويحفظ أموال الناس، ويُرضي الله عز وجل.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt