ما حكم تعليق صورة شخص المتوفى على الحائط؟ دار الإفتاء تجيب
من العادات الشائعة في كثير من البيوت المصرية والعربية، قيام أفراد الأسرة بتعليق صورة أحد المتوفين في غرفة المعيشة أو مكان بارز داخل المنزل، وذلك كنوع من التقدير، أو تخليد الذكرى، أو إبقاء الراحل حاضرًا في الوجدان. ورغم أن هذه العادة أصبحت مألوفة لدى كثيرين، إلا أنها تثير بين الحين والآخر تساؤلات شرعية حول جوازها من عدمه، خاصةً بين من يرون أن الأمر يرتبط بمفاهيم عقائدية، أو يُخشى أن يتطور إلى ما يُشبه التعظيم المبالغ فيه.
دار الإفتاء المصرية تلقّت سؤالًا مباشرًا بهذا الخصوص، وردّت عليه برد واضح ومفصّل، لتضع بذلك حدًا لحالة الجدل التي تكررت كثيرًا حول هذا الموضوع. التفاصيل الكاملة لرد دار الإفتاء
في بيانها الرسمي، أوضحت دار الإفتاء أن تعليق صورة المتوفى على الحائط لا حرج فيه شرعًا، طالما لم يصاحبه أي نوع من الاعتقاد الباطل، مثل اعتقاد أن الصورة تجلب البركة، أو أنها وسيلة للتقرب إلى الله، أو طلب الحماية من المتوفى نفسه.
وأكدت الدار أن تعليق صورة لشخص راحل، سواء كان والدًا أو أمًا أو قريبًا عزيزًا، يُعد في أصله تعبيرًا عن الحنين والوفاء وتقدير الذكرى، ولا علاقة له بالعقيدة ما دام لم يُقترن بنية تعبدية أو طقسية.
كما شددت الإفتاء على أن الإسلام لا يحرّم الصور في ذاتها، بل يحرّم تعظيمها إذا وصل إلى حد العبادة أو التشبه بعبادات غير المسلمين، مستشهدة بأحاديث نبوية تم تفسيرها في هذا السياق، وليس في السياق العام للصور الشخصية أو الفوتوغرافية الحديثة.
تحليل المسألة: بين العاطفة والدين
هذا النوع من التساؤلات يكشف عن صراع غير ظاهر بين البعد العاطفي والحرص على الالتزام الديني.
فعاطفة الإنسان الطبيعية تدفعه إلى تخليد ذكرى من فقدهم، والاحتفاظ بصورهم ومقتنياتهم كنوع من الارتباط النفسي. وفي المقابل، يتردد البعض خوفًا من الوقوع في المحظورات، أو من تجاوز الخط الشرعي في التعامل مع الصور والرموز.
الواقع أن الكثير من العادات اليومية في حياة المسلمين المعاصرة تحمل مثل هذا التداخل، وهو ما يجعل الفتوى الواضحة ضرورية في حسم مثل هذه المسائل.
ومن هنا، جاء رد دار الإفتاء ليضع الأمور في نصابها الصحيح، مؤكدًا أن الإسلام لا يُصادر العواطف الإنسانية النبيلة، ما دامت لا تتعارض مع العقيدة أو تقاليد الدين.
آراء مختلفة في المجتمع
رغم وضوح الرد الصادر عن دار الإفتاء، فإن الشارع المصري لا يزال يشهد تباينًا في الآراء، يتوزع كما يلي:
رأي من يرى الحرمة أو الكراهة
هؤلاء يميلون إلى الاحتياط في الدين، ويعتبرون أن تعليق الصور في المنزل، سواء لمتوفى أو حي، فيه شبهة تتعلق بالتشبه بعادات غير المسلمين، أو أنه يُمكن أن يؤدي مع الوقت إلى نوع من الغلو أو التعلق غير المشروع.
كما يعتبرون أن الأفضل الاكتفاء بالدعاء للميت، والصدقة الجارية، دون إظهار مظاهر قد تُثير الرياء أو البكاء المتجدد.
رأي من لا يرى في الأمر حرجًا
يرى فريق آخر أن الصور هي وسيلة لحفظ الذكرى، وتُساعد في تربية الأبناء على البر والوفاء، عندما يعرف الطفل شكل جده أو جدته ويُحكى له عن حياتهم.
ويعتبر هؤلاء أن رفض الصور مبالغة لا تستند إلى نص قطعي، وأن الفقه المعاصر يبيح استخدام الصور الفوتوغرافية طالما لم تقترن بما يخالف العقيدة.
رأي وسطي
وهناك من يتبنى رأيًا وسطيًا، فيرى أن الأصل في الأمور الإباحة، لكن مع الحذر من نية التعظيم أو المبالغة في الحزن، خاصةً إذا كانت الصورة تُعرض بطريقة توحي بالطقسية أو التقديس.
هؤلاء يعتبرون أن الصورة إن كانت تُستخدم في سياق طبيعي، كوسيلة تذكارية وليست تعبدية، فلا مانع منها.
الفرق بين التقدير والغلو
التفريق بين الاحترام الإنساني والتعظيم العقائدي هو جوهر الحكم الشرعي في هذه القضية.
فحين يضع إنسان صورة والده المتوفى على الحائط، لأنه يشعر بالحب والافتقاد، ويجد في ملامحه حافزًا على المضي قدمًا، فإن ذلك لا غبار عليه.
لكن إذا تحولت الصورة إلى ما يشبه "رمزًا مقدسًا"، أو أُحيطت بمظاهر التبجيل الزائد، كأن يُشعل أمامها البخور، أو تُخصّص لها زاوية تُزار بشكل متكرر، فهنا تبدأ شبهة الغلو، التي حذّر منها الإسلام صراحة.
ولهذا، فإن المعيار دائمًا ليس في الفعل الخارجي وحده، بل في النية المصاحبة والسلوك المترتب على الفعل.
كيف نُخلّد ذكرى أحبابنا الراحلين؟
بدلًا من الوقوف عند صورة معلّقة، يمكن للأسر أن تُحيي ذكرى موتاها بأفعال إيجابية تعود بالنفع على الناس، منها:
-
التصدق بنية المتوفى، خاصة في المشاريع العامة كالآبار أو الكفالات
-
تعليم الأبناء دعاءً ثابتًا يدعون به يوميًا للراحل
-
جمع سيرته أو صوره في ألبوم خاص داخل المنزل دون ضرورة عرضه
-
إنشاء صفحة أو مساحة تخليدية بسيطة تروي سيرته وأعماله الصالحة
بهذه الطرق، يتحول الحنين إلى طاقة بناءة، وتتحول الذكرى إلى عبادة نافعة.
التوازن بين المشاعر والدين هو الحل
الفتوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية جاءت لتؤكد مبدأ التوازن الذي يميز الشريعة الإسلامية في التعامل مع السلوكيات الاجتماعية والعاطفية.
فهي لم تُحرّم تعبيرًا صادقًا عن الوفاء، لكنها في الوقت ذاته وضعت حدودًا واضحة تحمي العقيدة من أي انحراف غير مقصود.
بهذا، تظل الفتوى مرجعية تطمئن القلب، وتهذّب العاطفة، وتُرشد الناس إلى ما يُرضي الله دون قسوة أو تعقيد.