يُعد حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "أطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء" من الأحاديث التي أثارت على مر العصور نقاشًا واسعًا بين العلماء والجمهور. وفي وقتنا الحاضر، عادت القضية إلى الواجهة بعدما تناولتها الدكتورة دينا أبو الخير، الباحثة المتخصصة في الدراسات الإسلامية، بالشرح والتوضيح، مؤكدة أن الحديث لا يمكن فهمه بمعزل عن سياقه الكامل ومقاصده التربوية.
الجدل حول الحديث يتجدد كلما طُرح في مجالس العلم أو الإعلام، حيث يتساءل الكثيرون: هل الحديث يحمل انتقاصًا من مكانة المرأة؟ أم أنه تحذير تربوي له أهداف إيمانية وأخلاقية؟
الحديث ورد في أكثر من رواية صحيحة، منها ما جاء في صحيح البخاري ومسلم. النبي صلى الله عليه وسلم خاطب النساء خلال خطبة العيد فقال: "يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار."
هذا الخطاب كان في سياق وعظي تربوي، هدفه الحث على الصدقة والطاعة.
لم يكن المقصود به التقليل من شأن النساء أو إهانتهن.
بل جاء الحديث كتنبيه على خطورة بعض الصفات السلبية التي قد تنتشر، مثل كفران العشير والإكثار من اللعن.
الدكتورة دينا أبو الخير أكدت أن فهم الحديث يحتاج إلى إدراك شمولي للشريعة، مشيرة إلى:
المسؤولية الفردية: الإسلام يؤكد أن الحساب يوم القيامة فردي، "ولا تزر وازرة وزر أخرى".
التحذير التربوي: النبي أراد تنبيه النساء إلى بعض الأخطاء المنتشرة في ذلك الزمن، مثل الجحود أو التقصير في شكر الأزواج.
عدم التعميم المطلق: القول بأن "أكثر أهل النار النساء" لا يعني أن كل النساء في النار، بدليل وجود آيات وأحاديث تؤكد أن بين النساء كثيرات من أهل الجنة مثل السيدة مريم وآسيا زوجة فرعون وخديجة وفاطمة رضي الله عنهن.
الفرصة للتوبة: الحديث نفسه يحمل أملًا، لأنه جاء مرتبطًا بالحث على الصدقة والعمل الصالح.
الحث على الطاعة: يوجه الحديث النساء إلى الالتزام بالطاعات والحرص على الأخلاق.
تصحيح السلوكيات: مثل الامتناع عن اللعن أو كفران المعروف.
توازن الخطاب: الإسلام لم يحصر الجنة في الرجال، بل بشّر النساء بالجنة إذا التزمن بطاعة الله ورسوله.
الإمام النووي: أوضح أن الحديث يحمل معنى التحذير لا التعيير.
ابن حجر العسقلاني: أكد أن كثرة النساء في النار لا تنفي كثرة عددهن في الجنة أيضًا.
علماء معاصرون: يرون أن مثل هذه النصوص تحتاج لشرح مبسط للشباب حتى لا يفهموها بشكل مغلوط.
توضيح مثل هذه الأحاديث له أثر نفسي مهم:
يبدد الشعور السلبي عند بعض النساء بأنهن مستهدفات.
يعزز الوعي بأن الدين يحاسب على الأفعال لا على الجنس.
يوضح أن المقصود بالتحذير هو تقويم السلوكيات اليومية.
المؤيدون للتفسير التقليدي: يعتبرون أن الحديث واضح وصريح ويجب أخذه بجدية كتحذير إيماني.
المعترضون أو المتسائلون: يرون أن عدم شرحه بشكل صحيح أدى إلى سوء فهم ومشاعر ظلم.
الوسط المعتدل: يفسرونه في ضوء التربية النبوية دون إفراط أو تفريط.
حديث النبي "أكثر أهل النار النساء" ليس انتقاصًا من قدر المرأة، بل هو تحذير تربوي جاء في سياق محدد لحث النساء على الصدقة والطاعة والابتعاد عن بعض الأخطاء.
توضيح الدكتورة دينا أبو الخير يفتح الباب لفهم أعمق للنصوص الدينية، بعيدًا عن التسرع في إطلاق الأحكام أو الوقوع في فخ المبالغات. فالحديث يدعو كل إنسان – رجلًا كان أو امرأة – إلى مراجعة نفسه، والعمل على ما يقربه من الجنة ويبعده عن النار.
ويبقى السؤال الأهم: هل نتعامل مع النصوص الشرعية كوسيلة تخويف فقط، أم نفهمها في ضوء التربية الشاملة التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته؟
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt