في العقود الأخيرة، أصبحت الكوارث الطبيعية أكثر حضورًا في المشهد العالمي، سواء بفعل التغيرات المناخية أو النشاطات الجيولوجية المتزايدة. بين الزلازل والبراكين والعواصف والفيضانات، يظل "تسونامي" واحدًا من أكثر الكوارث الطبيعية فتكًا وغموضًا، نظرًا لسرعته المفاجئة وقوته التدميرية التي قد تمحو مدنًا بأكملها خلال دقائق.
مؤخرًا، أصدر عدد من هيئات المسح الجيولوجي تحذيرات جديدة بشأن احتمالية وقوع موجات تسونامي ضخمة في مناطق محددة حول العالم، بناءً على قراءات دقيقة لحركة الصفائح التكتونية ونشاط الزلازل في مناطق الحزام الناري والمحيطات المفتوحة.
تأتي هذه التحذيرات في وقت يواجه فيه العالم تحديات كبرى على صعيد الجاهزية للكوارث، خصوصًا في الدول الساحلية ذات الكثافة السكانية العالية. فهل العالم مستعد فعلًا للتعامل مع موجة تسونامي جديدة؟ وما الدول التي تقع تحت دائرة التهديد؟ وما هي المؤشرات التي دفعت إلى إصدار هذه التحذيرات؟
في هذه المقالة نناقش آخر ما جاء في تقارير المسح الجيولوجي، ونستعرض قائمة الدول المهددة، إلى جانب خلفية علمية عن كيفية تشكل التسونامي ومدى خطورته وتأثيره على البنية التحتية والإنسان.
التسونامي هو سلسلة من الأمواج العاتية التي تنشأ نتيجة اضطرابات جيولوجية كبيرة تحت سطح البحر، مثل الزلازل أو الانفجارات البركانية أو حتى انهيارات أرضية ضخمة في قاع المحيط.
ما يميز التسونامي عن الموجات العادية هو حجمه وسرعته. فقد تصل سرعته إلى أكثر من 800 كم/س في عرض البحر، ومع اقترابه من الشواطئ تقل سرعته ولكن يزداد ارتفاعه ليصل في بعض الحالات إلى عشرات الأمتار، ما يسبب دمارًا واسع النطاق للمناطق الساحلية.
عندما تضرب أمواج التسونامي الشاطئ، فإنها لا تأتي كموجة واحدة فقط، بل كسلسلة من الموجات المتعاقبة التي تستمر لفترة قد تصل إلى ساعة أو أكثر، ما يضاعف من حجم الكارثة.
وفقًا لبيانات أجهزة الرصد الزلزالي حول العالم، لوحظ في الأشهر الماضية زيادة واضحة في نشاط بعض الصفائح التكتونية، خاصة في المحيط الهادئ والمحيط الهندي، وهما من أكثر المناطق عرضة للزلازل البحرية.
كما أشارت بعض التقارير إلى وجود تصدعات نشطة أسفل قاع البحر قبالة سواحل بعض الدول، ما دفع هيئات المسح الجيولوجي إلى إطلاق تحذيرات بضرورة مراقبة أي زلازل قوية قد تحدث في هذه المناطق، لأنها قد تكون محفزًا لوقوع موجات تسونامي مفاجئة.
وتشير بعض النماذج الحاسوبية التي أُجريت في المختبرات المتخصصة إلى أن هناك احتمالية مرتفعة لوقوع تسونامي خلال السنوات القليلة القادمة، إذا ما استمر النشاط الزلزالي بهذا المعدل.
من بين الدول التي وُضعت تحت دائرة التهديد بناءً على تقارير وتحليلات المسح الجيولوجي، تأتي:
واحدة من أكثر الدول تعرضًا للتسونامي في العالم، وتقع ضمن "حلقة النار" بالمحيط الهادئ. تعرضت إندونيسيا في عام 2004 لكارثة تسونامي راح ضحيتها أكثر من 230 ألف شخص. وتشير التقديرات الحالية إلى أن منطقة "سومطرة" لا تزال تحت تهديد مباشر بسبب تحرك الصفيحة الأسترالية باتجاه الصفيحة الأوراسية.
رغم ما تمتلكه من أنظمة إنذار مبكر، تظل اليابان مهددة بشكل دائم نظرًا لنشاطها الزلزالي العالي. تسونامي 2011 الذي دمر مفاعل "فوكوشيما" لا يزال حيًا في الذاكرة، والتحذيرات الجديدة تشمل مناطق شمال شرق اليابان القريبة من خطوط الصدع النشطة.
تمثل شواطئ تشيلي واحدة من أخطر المناطق الزلزالية في العالم، وقد سبق أن تعرضت لموجات تسونامي عديدة. النشاط الزلزالي على طول سواحل المحيط الهادئ مستمر، ويزيد من احتمالية تشكل تسونامي قد يطال حتى دولًا مجاورة.
نظرًا لموقعها الجغرافي وامتدادها الساحلي الكبير، تعتبر الفلبين من الدول المهددة، خصوصًا مع رصد تحركات تكتونية غير مستقرة في منطقة "مينداناو".
رغم بعدهما عن مركز الزلازل في المحيط الهادئ، إلا أن أحداث 2004 أثبتت أن أي زلزال ضخم تحت المحيط يمكن أن يؤثر على الشواطئ الشرقية للهند وسريلانكا، ولهذا فهما تحت المراقبة المستمرة.
عملية التنبؤ بحدوث تسونامي ليست سهلة، ولكن هناك أنظمة متقدمة قائمة على مجموعة من الأدوات:
مراصد الزلازل التي تسجل أي نشاط تحت سطح البحر.
أجهزة قياس ضغط المياه المثبتة في قاع المحيط، والتي ترصد أي تغير مفاجئ في العمق.
أقمار صناعية تتابع حركة الأمواج والمسطحات المائية.
برمجيات حاسوبية تحلل البيانات وتتنبأ باتجاه وسرعة الأمواج.
وفي حال تحقق شروط معينة، يتم إصدار إنذار تسونامي في غضون دقائق من وقوع الزلزال، لتبدأ بعدها عمليات الإخلاء في المناطق الساحلية.
مع تطور التكنولوجيا، أصبحت بعض الدول أكثر استعدادًا لمواجهة موجات التسونامي، خصوصًا تلك التي عانت سابقًا من كوارث مشابهة. فعلى سبيل المثال:
اليابان تمتلك نظامًا دقيقًا للإنذار المبكر، يشمل صافرات إنذار وشاشات إلكترونية ورسائل هاتفية تصدر فور وقوع الزلزال.
إندونيسيا طورت برامج تدريب محلية لإخلاء السكان، لكنها لا تزال تعاني من مشاكل البنية التحتية في المناطق النائية.
الهند وسريلانكا عززتا من قدرتيهما على الاستجابة من خلال إنشاء مراكز إغاثة وتدريبات سنوية.
لكن لا تزال هناك فجوة كبيرة في بعض الدول الفقيرة أو التي لا تمتلك تمويلًا كافيًا لتطوير منظومات حماية فعالة.
إضافة إلى الخسائر البشرية، يسبب التسونامي دمارًا واسعًا في:
البنية التحتية: طرق، جسور، مطارات، شبكات كهرباء ومياه.
الزراعة: بسبب تغلغل مياه البحر وتدمير التربة.
السياحة: إذ يؤدي إلى تدمير الفنادق والمنتجعات في المناطق الساحلية.
الاقتصاد المحلي: من خلال توقف الأنشطة التجارية والصناعية.
وتستغرق عملية التعافي من تبعات التسونامي سنوات طويلة، ما يتطلب خططًا طويلة الأمد.
رغم أن التسونامي لا يمكن منعه، إلا أن هناك إجراءات احترازية تقلل من الخسائر:
بناء حواجز بحرية ومصدات أمواج.
وضع خطط إخلاء واضحة لكل منطقة ساحلية.
تعليم السكان كيفية التصرف وقت الإنذار.
الاستثمار في أنظمة الرصد المبكر.
إبعاد المشروعات الحساسة من الشواطئ مثل المفاعلات النووية والموانئ الحيوية.
يبقى التسونامي من أكثر الظواهر الطبيعية التي تتطلب استعدادًا خاصًا، فليس فقط لأنه سريع ومدمر، بل لأنه يضرب غالبًا دون سابق إنذار. التحذيرات التي تصدر عن جهات المسح الجيولوجي لا ينبغي التعامل معها باعتبارها تنبؤات فقط، بل دعوة للتحرك المبكر، وتطوير خطط المواجهة الفعالة، خاصة في الدول الواقعة ضمن الحزام الزلزالي النشط. إن دروس الماضي، من اليابان إلى إندونيسيا، لا تزال حاضرة، ويجب أن تكون حافزًا للاستعداد الجاد لمواجهة ما قد يكون قادمًا.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt