في الوقت الذي تتصدر فيه أخبار القبض على عدد من مشاهير "التيك توك" عناوين المنصات الإعلامية، خرج الإعلامي تامر أمين بتصريحات قوية وصف فيها هذه التحركات بأنها "خطوة ضرورية لحماية الذوق العام"، معتبرًا أن ما يحدث حاليًا هو بداية لتصحيح مسار المحتوى الرقمي في مصر، الذي انحرف في السنوات الأخيرة نحو التريندات الفارغة والابتذال.
تصريحات تامر أمين جاءت في توقيت بالغ الأهمية، حيث يتصاعد الجدل حول مدى مشروعية ملاحقة مقدمي المحتوى المثير للجدل على منصات التواصل، وهل هو تدخل في حرية التعبير أم محاولة لحماية المجتمع من التلوث البصري والقيمي؟ هذا الجدل يعكس حجم الانقسام في الشارع المصري، بين مؤيد لفرض رقابة صارمة، ورافض يطالب بترك المساحات الرقمية للمستخدمين دون تدخل.
في هذا التقرير نرصد خلفيات تصريحات تامر أمين، ونحلل أبعادها وتأثيرها، ونتناول الأسباب التي دفعته للحديث بهذا الحزم، إلى جانب رصد الرأي العام تجاه موجة القبض على مشاهير التيك توك، ومستقبل المحتوى الرقمي في ظل هذه التوجهات.
شهدت الفترة الماضية عددًا من التحركات الأمنية تجاه من يقدّمون محتوى اعتبره كثيرون "غير لائق" عبر تطبيقات مثل تيك توك، لا سيما الفتيات اللاتي يستخدمن التطبيق لبث فيديوهات تتسم بالإثارة أو الانحراف عن الذوق العام. هذه التحركات جاءت استجابة لشكاوى وبلاغات متكررة من المواطنين، بجانب رصد الأجهزة المختصة لسلوكيات يراها القانون تمس بالقيم المجتمعية.
هذه الخطوة أثارت انقسامًا بين جمهور المتابعين. فهناك من رأى أنها واجبة طالما تجاوز المحتوى حدود الأدب والقانون، بينما رأى البعض أن ما يحدث يدخل ضمن إطار حرية التعبير، وأن المعايير المستخدمة فضفاضة وقابلة للتأويل.
في برنامجه على إحدى القنوات الفضائية، تحدث الإعلامي تامر أمين عن هذه القضية بتفصيل شديد، وأكد أن منصات مثل تيك توك أصبحت وسيلة لنشر محتوى يسيء إلى الذوق العام، ويؤثر على الأطفال والمراهقين بشكل سلبي.
وقال تامر: "ليس معقولًا أن يظل كل من يثير الجدل أو يقوم بحركات خارجة على المنصات يحصل على دعم وتفاعل بالملايين، بينما يغيب المحتوى الحقيقي والمفيد، الدولة هنا ملزمة بالتدخل لحماية الذوق العام، وما نراه الآن من خطوات أمنية وقانونية هو محاولة لإعادة الانضباط".
وأكد أمين أن الرقابة على هذا النوع من المحتوى لا تتعارض مع حرية التعبير، لأن ما يُقدَّم لا يدخل ضمن الإبداع أو الرأي، بل هو تسويق للانحراف والتجاوز باسم الترفيه.
رغم أن تصريحات تامر أمين نالت تأييد عدد كبير من المتابعين، إلا أنها أيضًا أثارت بعض التحفظات، خاصة من قبل منظمات المجتمع المدني، وبعض النشطاء الذين يرون أن هناك فارقًا بين التنظيم والتقييد، وأن المطلوب هو تقنين الأوضاع وليس ملاحقة الأفراد بسبب اختلاف المحتوى.
لكن تامر لم يتراجع عن رأيه، بل أكد في حلقات لاحقة أن ما يحدث الآن لا يمثل حربًا على المحتوى، بل هو حماية للمجتمع من ظواهر وصفها بـ"الطفيليات الرقمية" التي تتغذى على المشاهدات فقط، حتى لو كان الثمن هو هدم قيم الأسرة والأخلاق العامة.
أشار تامر أمين إلى أن المشكلة لا تتعلق فقط بالإيحاءات أو الملابس غير المناسبة، بل تطورت لتشمل سلوكيات أكثر خطورة مثل تمجيد العنف، التنمر، والممارسات العدوانية تجاه الآخرين، وكل ذلك يتم تحت غطاء "المزاح" أو "الترفيه".
وهنا تكمن خطورة التيك توك، حسب أمين، كونه أصبح منصة مفتوحة أمام الجميع دون رقابة حقيقية، ما يسمح بانتشار نماذج سيئة يتم تقديمها للشباب على أنها نمط حياة أو وسيلة للشهرة السريعة.
أكد الإعلامي أن الأزمة ليست في المنصات الرقمية وحدها، بل في ضعف الرقابة المنزلية، وغياب التوجيه التربوي. حيث قال إن كثيرًا من الأسر لا تتابع ما يشاهده أبناؤها، ولا تعرف أنهم يتعرضون لمضامين قد تؤثر على سلوكهم وأخلاقهم، كما أن المدرسة لم تعد تقوم بدورها التوعوي والتثقيفي كما في السابق.
وأضاف أن الإعلام أيضًا يتحمل جانبًا من المسؤولية، لأنه لم يقدم البدائل المناسبة أو يواكب تطور لغة الشباب، ما جعلهم يبحثون عن محتوى آخر في منصات لا يوجد بها سقف أو حدود.
دعا تامر أمين إلى فتح حوار وطني واسع تشارك فيه الجهات المسؤولة والخبراء التربويون، والمؤثرون الحقيقيون، من أجل وضع معايير أخلاقية ومهنية لاستخدام منصات التواصل. مشيرًا إلى أن الحل ليس في المنع فقط، بل في بناء وعي مجتمعي قادر على التفرقة بين الحرية والانفلات.
وأكد أن الشباب ليسوا أعداء، بل هم ضحايا لغياب التوجيه، وأن المطلوب هو إدماجهم في الحل لا استبعادهم، وذلك من خلال تقديم نماذج محتوى ناجحة ومؤثرة دون الابتذال.
أثارت تصريحات تامر أمين موجة من التفاعل على مواقع التواصل. فبينما عبّر عدد كبير من المتابعين عن تأييدهم الكامل له، وأشادوا بجرأته في فتح هذا الملف، اعتبر آخرون أنه يعمم ويستهدف كل مستخدمي التيك توك دون استثناء، رغم وجود نماذج إيجابية على المنصة.
البعض تساءل: هل هناك نية لإنشاء جهة مسؤولة عن مراجعة محتوى المؤثرين قبل نشره؟ وهل يمكن فرض رقابة مسبقة دون المساس بحرية النشر؟ تلك الأسئلة لا تزال مطروحة، وتؤكد أننا أمام مرحلة جديدة من النقاش المجتمعي حول العالم الرقمي.
أوصى تامر أمين بعدد من الإجراءات التي يرى أنها ضرورية في المرحلة المقبلة، منها:
سنّ تشريعات واضحة تخص المحتوى الرقمي وحقوق وواجبات المستخدمين.
فرض اشتراطات للحصول على حسابات موثقة.
تقديم دورات تأهيلية لصناع المحتوى الجدد.
تدشين حملات توعية عبر المدارس والجامعات.
تخصيص برامج إعلامية تسلط الضوء على النماذج الناجحة.
ويرى أمين أن هذه الخطوات من شأنها إعادة تشكيل سلوك المستخدم المصري، وتحويل السوشيال ميديا من ساحة فوضى إلى مساحة حقيقية للإبداع والتأثير.
مع تزايد الرقابة الرسمية، وارتفاع الأصوات الإعلامية الرافضة للمحتوى العشوائي، يبدو أن مستقبل تطبيق تيك توك في مصر سيكون مرهونًا بمدى تجاوب المستخدمين مع المعايير الجديدة، ومدى قدرة المنصة على ضبط سلوكيات منتجي المحتوى.
ويتوقع البعض أن تشهد الفترة المقبلة ظهور قوانين أكثر صرامة، وربما تشكيل كيان رسمي لمراقبة الأداء الرقمي، وهو ما قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في طريقة استخدام هذه التطبيقات داخل مصر.
تصريحات تامر أمين الأخيرة لم تكن مجرد تعليق إعلامي عابر، بل تعبير عن موقف واضح من قضية شائكة تتعلق بجوهر القيم والمبادئ في المجتمع المصري. وبينما يستمر النقاش حول حدود الحرية وضرورة التنظيم، يظل الهدف الأساسي هو حماية الذوق العام، والحفاظ على هوية المجتمع في زمن التغيرات الرقمية المتسارعة.
ويبقى السؤال الأهم: هل نحن أمام بداية لعصر جديد من الانضباط على السوشيال ميديا؟ أم أن المعركة بين الرقابة والمحتوى لا تزال في بدايتها؟ الإجابة ستحدد ملامح المرحلة القادمة في علاقة المجتمع المصري بالعالم الرقمي.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt