الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل اليوم بأحد الشعانين
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اليوم الأحد الموافق 13 أبريل 2025، بعيد أحد الشعانين، والذي يُعد أحد أهم المناسبات الدينية في السنة القبطية، ويأتي تتويجًا لأسبوع الآلام.
وبداية دخول السيد المسيح إلى أورشليم (القدس) في موكب مهيب استُقبل فيه بسعف النخيل. وتُقام صلوات هذا اليوم في جميع الكنائس المصرية وسط أجواء روحية مميزة، وطقوس خاصة مليئة بالرمزية، بمشاركة الآلاف من الأقباط الذين يحرصون على حضور هذا العيد من كل عام.
ما هو أحد الشعانين؟
أحد الشعانين هو الأحد السابع من الصوم الكبير، والأخير قبل عيد القيامة المجيد، ويُعرف أيضًا باسم "أحد دخول السيد المسيح إلى أورشليم".
ويُطلق عليه "الشعانين" نسبة إلى كلمة "هوشعنا" العبرية، والتي تعني "خلصنا" أو "أوصنا"، وهي الكلمة التي هتف بها الشعب اليهودي أثناء دخول المسيح إلى المدينة المقدسة.
ويُرمز في هذا اليوم إلى انتصار المسيح الروحي، إذ استقبله الشعب كملك، وفرشوا له ثيابهم وسعف النخيل وغصون الزيتون.
طقوس الكنيسة في أحد الشعانين
تبدأ الاحتفالات في هذا اليوم منذ الساعات الأولى من الصباح، حيث يرتدي الكهنة الشمامسة زيًا أبيض، ويحملون أغصان الزيتون وسعف النخيل في أيديهم.
وتُقام "دورة الشعانين"، وهي زفة رمزية يُطاف فيها داخل الكنيسة بأيقونة المسيح، تعبيرًا عن موكب دخوله إلى أورشليم، ويتخللها ترديد ألحان خاصة تُعرف بـ"أوشية الشعانين"، وهي من أجمل ألحان الكنيسة القبطية.
وبعد الانتهاء من الدورة، تُقام صلاة القداس الإلهي، ويُقرأ فيها فصل الإنجيل الخاص بدخول المسيح، وتُوزع السعف والصلبان المصنوعة منه على الشعب.
أجواء روحية ومشاركة جماهيرية
تتميز كنائس مصر في هذا اليوم بزينة السعف والزهور، وتكتظ الكنائس بالمصلين من كافة الأعمار، حاملين السعف الذي يتم تشكيله في أشكال متنوعة كالصليب والتاج والحمامة.
وتُعد مشاركة الأطفال في هذا اليوم من أبرز مظاهر الاحتفال، حيث يحرص الأهل على اصطحابهم للكنيسة وتعريفهم بطقوس اليوم، ما يضفي طابعًا مبهجًا على المناسبة رغم الطابع التأملي الذي يليها.
التحول إلى أسبوع الآلام
يُعد أحد الشعانين اليوم الأخير الذي تُرفع فيه بخور عشية وصباحًا في الكنيسة، حيث تبدأ الكنيسة من مساء اليوم طقس "البصخة المقدسة"، وهي صلوات أسبوع الآلام، التي تُقام على مدار 6 أيام متتالية، في الفجر والمساء، وتنتهي بجمعة الصلبوت وسبت النور ثم عيد القيامة.
ويتحول الشريط الليتورجي (الصلوات الكنسية) بعد أحد الشعانين من ألحان الفرح إلى ألحان الحزن، وتُغطى أعمدة الكنيسة وأيقوناتها بالستائر السوداء، وتُضاء الشموع فقط.
دلالات رمزية في طقوس الشعانين
تحمل طقوس أحد الشعانين العديد من الدلالات الرمزية، أهمها:
-
سعف النخيل: يرمز إلى النصرة والفرح، إذ كان يُستخدم قديمًا في استقبال الملوك.
-
أغصان الزيتون: ترمز إلى السلام والتواضع، وهي صفات تجلت في دخول المسيح.
-
الزفة: تمثل موكب المخلص المنتصر لا على الأرض، بل على الخطيئة والموت.
-
التحول الليتورجي: يعكس الانتقال من الاحتفال بالنصرة إلى التأمل في الآلام والصلب.
كلمات البابا تواضروس الثاني
في عظة هذا اليوم، ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية كلمة خلال قداس الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، دعا فيها الشعب القبطي إلى التأمل في معاني النصرة الروحية، والتواضع والمحبة التي تجلّت في دخول المسيح أورشليم.
وشدد قداسته على أن "الشعانين ليست فرحة أرضية بملك زمن، بل فرح بخلاص سماوي"، مشيرًا إلى أن هذا الأسبوع يحمل في طياته أهم أحداث الخلاص، داعيًا الجميع إلى الصوم والصلاة والتأمل في المحبة الإلهية.
تأمين الكنائس في يوم الشعانين
نظرًا للإقبال الجماهيري الكبير على الكنائس في هذا اليوم، كثفت وزارة الداخلية من إجراءات التأمين بمحيط الكنائس الكبرى في القاهرة والإسكندرية وباقي المحافظات، بالتنسيق مع القيادات الكنسية، لضمان أجواء آمنة وهادئة خلال الصلوات.
وشملت الإجراءات وجود بوابات إلكترونية، وتفتيشات دقيقة، وتمركزات أمنية على مدار اليوم.
فرحة بطابع تراثي
يُعد أحد الشعانين من المناسبات التي تحمل في طياتها مزيجًا فريدًا من الروحانية والبهجة الشعبية، حيث تتزين شوارع المناطق القبطية بزينة السعف، وتنتشر أمام الكنائس بسطات لبيع أشكال السعف اليدوية، والتي تُعد من التراث القبطي المتوارث.
وتحرص الأسر القبطية على الاحتفاظ بسعف الشعانين داخل منازلهم طوال العام، إيمانًا منهم بأنه رمز للبركة والحماية.
روح الوحدة الوطنية
كما في كل مناسبة دينية، تظهر في أحد الشعانين مظاهر من المحبة والاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين، حيث يقدم الجيران التهاني، وتُشارك بعض المؤسسات الإسلامية في تقديم التهنئة الرسمية للكنيسة.
وتنعكس هذه الروح في وسائل الإعلام، وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي امتلأت منذ الصباح بعبارات التهنئة للأقباط بهذا اليوم المقدس.
الكنيسة في زمن التحديات
تُحيي الكنيسة القبطية هذا العيد في ظل تحديات اقتصادية وأوضاع اجتماعية صعبة، إلا أن أجواء الإيمان والرجاء التي يحملها أحد الشعانين تمنح الشعب القبطي طاقة روحية كبيرة للاستمرار في طريق الإيمان، رغم المشقات.
وقد دعا عدد من الأساقفة في عظاتهم، الشعب إلى عدم الاكتفاء بالمظاهر، بل استغلال هذا الأسبوع للرجوع الحقيقي إلى الله.
خلاصة
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اليوم بأحد الشعانين، وهو يوم مليء بالمعاني الروحية والرمزية، يُمثل تتويجًا لفترة الصوم الكبير وبداية لأسبوع الآلام.
وسط طقوس رائعة وأجواء إيمانية مهيبة، يُحيي الأقباط هذا العيد حاملين سعف النخيل وأغصان الزيتون، معلنين فرحتهم بمخلصهم، ومهيئين قلوبهم للدخول في أقدس أسبوع في السنة القبطية.
وفي ظل هذه الأجواء، تظل الكنيسة شاهدة على إيمان راسخ متجذر في أعماق التاريخ، وممتد بالحياة والأمل نحو القيامة.