أثار الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، حالة من النقاش والتأمل بين المتابعين بعد حديثه الأخير عن قصة أصحاب الكهف ، وتحديدًا عن سبب عدم ذكر العدد الحقيقي لهم في القرآن الكريم، مؤكدًا أن الأمر يحمل دلالات تربوية وعقائدية عميقة.
وجاءت تصريحات الجندي ضمن إحدى حلقات برنامجه التلفزيوني، حيث تحدث عن القيم والرسائل القرآنية التي تتجاوز الحكايات الظاهرية إلى أبعاد دينية وإنسانية أعمق.
أوضح الشيخ خالد الجندي أن القرآن الكريم تعمّد عدم تحديد العدد الحقيقي لأصحاب الكهف، مشيرًا إلى أن الآية رقم 22 من سورة الكهف جاءت بصيغ متعددة لتوقعات الناس:
"سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ... وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ..."
وأكد أن هذا التعدد في الروايات ما هو إلا دعوة للتركيز على المغزى وليس على التفاصيل الهامشية، مشددًا أن معرفة عددهم لا تُضيف شيئًا إلى العقيدة أو إلى جوهر القصة.
قال الجندي إن الهدف من ذكر أصحاب الكهف في القرآن الكريم هو إبراز قيمة الثبات على العقيدة في وجه الطغيان، والتضحية من أجل الإيمان، وليس الدخول في جدل حول عددهم.
وأشار إلى أن الله تعالى اختار أن "يتولى هو وحده علم عددهم" ليعلمنا درسًا بالغًا في الانشغال بالجوهر لا بالمظاهر، وبالقيم لا بالأرقام، موضحًا أن هذا الأسلوب القرآني يعكس تربية الإنسان على التفكر بدلًا من التلقين.
ردًّا على من يتساءلون دائمًا عن سبب عدم ذكر عدد أصحاب الكهف، شدد الجندي على أن القرآن ليس كتابًا تاريخيًا أو وثيقة إحصائية، وإنما كتاب هداية وتربية، مضيفًا أن ترك بعض التفاصيل غامضة هو أسلوب قرآني متكرر يقصد به تحفيز العقل على التدبر بدلًا من الانشغال بما لا ينفع.
كما أوضح أن البعض يركز على الشكل بدلًا من المضمون، رغم أن المعاني الأعمق هي ما يُراد استخلاصه من القصة.
طرح الجندي تأملًا إضافيًا حول دور الكلب في القصة، معتبرًا أن القرآن أشار إليه بشكل مكرر، بينما لم يذكر حتى أسماء الفتية، مؤكدًا أن ذلك يحمل دلالة على أن الوفاء والثبات على المبدأ هما المعيار الحقيقي في ميزان الله، وليس المكانة أو الاسم أو العدد.
أوضح الجندي أن الرسالة الجوهرية من القصة هي أن من يثبت على دينه في وجه الاضطهاد يُكتب له الخلود في الذاكرة الإنسانية والدينية، وهذا هو ما تحقق لأصحاب الكهف الذين خلدهم القرآن الكريم كرمز للثبات والصبر.
كما أشار إلى أن الاختلاف حول العدد قد يكون مقصودًا من الله عز وجل لبيان أن البشر يميلون دومًا إلى الخلاف والتفاصيل، بينما طريق الهداية هو في تجاوز الشكليات والتوجه نحو الإيمان العميق.
المثير أن معظم علماء التفسير القدامى مثل ابن كثير والطبري وغيرهم، أكدوا نفس المعنى الذي أشار إليه خالد الجندي، حيث اتفقوا على أن تحديد العدد ليس له أهمية حقيقية في فهم جوهر القصة.
وبينت كتب التفسير أن تعدد الأقوال حول عدد أصحاب الكهف لم يكن إلا انعكاسًا لتأويلات بشرية، لكن القرآن حسم الأمر حين قال "قل ربي أعلم بعدتهم".
أكد الجندي أن هذا الأسلوب لا يقتصر على قصة أصحاب الكهف فقط، بل هو منهج قرآني يظهر في العديد من القصص الأخرى مثل قصة ذي القرنين، أو العبد الصالح مع موسى، أو حتى الفتية الذين قتلهم الطغاة في قصص أخرى.
كل هذه القصص جاءت بأسلوب يركز على القيم والمعاني بدلًا من الأسماء والتواريخ، ليبقى القرآن كتابًا خالدًا صالحًا لكل زمان ومكان.
إن امتناع القرآن الكريم عن تحديد العدد الحقيقي لأصحاب الكهف لم يكن عن غفلة، بل هو جزء من إعجاز النص القرآني الذي يوجه المسلمين دومًا نحو التركيز على الرسالة والمغزى، لا على الهامشيات.
ومن خلال ذلك، يؤكد القرآن أن الإيمان والثبات عليه هما المعيار الأساسي في قصص الأنبياء والصالحين، وليس عدد الأشخاص أو تفاصيل المشهد.
وقصة أصحاب الكهف تظل من أبرز قصص القرآن التي تُعلم الإنسان دروسًا في العقيدة، وتُربّيه على اليقين والثبات، وتدعوه لعدم الانشغال بالكمّ، بل بالكيف والمعنى.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt