ميكسات فور يو
هل الغرامات المالية على الشخص المدين المماطل تعويضًا للدائن لها علاقة بالربا؟
الكاتب : Mohamed Abo Lila

هل الغرامات المالية على الشخص المدين المماطل تعويضًا للدائن لها علاقة بالربا؟

هل الغرامات المالية على الشخص المدين المماطل تعويضًا للدائن لها علاقة بالربا؟

أثارت مسألة فرض الغرامات المالية على المدينين المماطلين تساؤلات فقهية عديدة، خاصة فيما يتعلق بمدى علاقتها بالربا المحرم في الشريعة الإسلامية، وما إذا كان هذا النوع من التعويض المالي يُعد من صور "الزيادة على الدين"، أم أنه يدخل تحت باب التعويض المشروع عن الضرر الناتج عن التأخير في السداد.

وفي هذا السياق، أوضحت دار الإفتاء المصرية ومجمع البحوث الإسلامية ومجامع فقهية معاصرة، أن هذه المسألة دقيقة ومتفرعة، وتحتاج إلى تفصيل لفهم الفرق بين الربا المحرّم، والتعويض العادل المشروع.


تعريف الربا وعلاقته بالقروض والتأخير في السداد

في البداية، يجب التذكير بأن الربا في الشريعة الإسلامية هو:
"الزيادة المشروطة على أصل القرض عند التأخير أو في مقابل الزمن."

وبالتالي، فإن أي قرض يُشترط فيه زيادة مقابل التأخير يُعد ربًا صريحًا، سواء كانت الزيادة نسبة مئوية أو مبلغًا ثابتًا، وسواء أُطلق عليها اسم "فائدة" أو "غرامة".

المماطلة في سداد الدين وأحكامها الشرعية

أوضحت دار الإفتاء المصرية أن المماطلة من المدين المقتدر تُعد ظلمًا، وورد فيها الحديث الشريف:
"مَطْلُ الغنيّ ظلم." [رواه البخاري ومسلم]

لكن في الوقت نفسه، لم يُقرّ الإسلام فرض غرامة مالية تلقائية على هذا التأخير، حتى لا يُفتح باب الربا أو الشبهات، بل أتاح وسائل أخرى لحماية حقوق الدائن.

وبحسب رأي جمهور العلماء، فإن الأصل هو عدم جواز فرض زيادة على الدين بسبب التأخير، ولو كان المدين قادرًا ومماطلًا، لأن ذلك يدخل ضمن صور الربا المحرّمة.

رأي المجامع الفقهية المعاصرة

ناقشت المجامع الفقهية، وعلى رأسها مجمع الفقه الإسلامي الدولي، هذه القضية في أكثر من دورة، وخلصت إلى أن:

  • فرض غرامة مالية على المدين مقابل التأخير يُعد ربًا إذا كانت لصالح الدائن.

  • لا يجوز اشتراطها في العقود، ولا تحصيلها حتى من المماطل.

  • يجوز للقضاء أن يُلزم المدين المماطل بالعقوبة التعزيرية أو الحبس أو التعويض غير المالي.

وأكّد المجمع أن الحفاظ على حقوق الناس لا يجب أن يتم من خلال وسائل تتصادم مع أحكام الشريعة الثابتة.

هل يجوز للدولة فرض غرامة مالية تذهب لصندوق عام؟

ناقشت بعض الآراء الفقهية المعاصرة إمكانية فرض غرامة على المدين المتعمد في تأخير السداد بشرط أن لا تعود لصالح الدائن مباشرة، وإنما تُخصّص لأغراض عامة كصناديق التكافل أو الإنفاق على المصالح العامة.

ويرى هذا الاتجاه أن ذلك يُعد من باب التعزير المالي المشروع في الإسلام، والذي يُقرّه الحاكم لردع الظلم، دون أن يُحوَّل إلى باب من أبواب الكسب.

لكن دار الإفتاء أكدت أن هذا يبقى محل اجتهاد دقيق، ويجب أن يكون تحت إشراف جهة شرعية وقضائية تقدر الضرر وتُشرف على التوزيع، حتى لا يتحول الأمر إلى شبهة ربوية.

تعويض الضرر الحقيقي فقط دون اشتراط

بيّنت دار الإفتاء أن الإسلام يُفرّق بين:

  • الغرامة المشروطة سلفًا عند التأخير: وهذه ربا محرم.

  • التعويض الحقيقي عن ضرر تم بالفعل: وهذا جائز بشروط.

أي أن الدائن إذا استطاع أن يُثبت أن المدين تسبب له في خسارة مادية حقيقية بسبب التأخير (مثل دفع فوائد للبنك أو خسارة صفقة مؤكدة)، فإنه يمكنه المطالبة بتعويض أمام القضاء، بشرط:

  • أن يكون الضرر فعليًا ومحدّدًا.

  • أن يكون التقدير بيد جهة محايدة (القضاء أو التحكيم).

  • ألا يكون هناك شرط سابق على هذا التعويض في العقد.

الفرق بين الغرامة الربوية والتعويض المشروع

للتوضيح، هناك فرق واضح بين:

الغرامة الربويةالتعويض المشروع
تُفرض كنسبة أو مبلغ ثابت عند كل تأخيرتُقدّر بحسب الضرر الفعلي بعد وقوعه
تُشترط في العقد مسبقًالا تُشترط ولا تُعرف إلا بعد الضرر
تذهب لصالح الدائن مباشرةقد تُذهب للدائن أو جهة ثالثة
محرمة شرعًاجائزة بضوابط مشروعة

ماذا يفعل الدائن مع المدين المماطل؟

أوضحت دار الإفتاء أن الشرع أعطى للدائن وسائل شرعية لحفظ حقه دون الدخول في الربا، منها:

  • طلب كفيل أو ضمان قوي عند الإقراض.

  • اللجوء إلى القضاء الشرعي لطلب حقه.

  • المطالبة بتعويض فعلي عند وقوع ضرر حقيقي.

  • تقييد التعامل مع المدين مستقبلًا.

كما يُمكن إدراج شرط في العقد يُلزم المدين بتحمل تكاليف التقاضي أو الغرامات الإدارية (كغرامات التأخير في تسجيل العقود أو الغرامات الحكومية) بشرط أن لا ترتبط بزيادة على أصل الدين.

رسالة توجيهية من الإفتاء

اختتمت دار الإفتاء المصرية توضيحها بدعوة المسلمين، أفرادًا ومؤسسات، إلى الابتعاد عن المعاملات المشتبهة، وعدم البحث عن "مخارج شكلية" تُقنّن المحرمات أو تُمرر الربا بصور جديدة.

وأكدت أن الإسلام حريص على حفظ الحقوق والعدل بين الناس، لكنه لا يسمح بالتحايل على أحكامه القطعية، خاصة في باب المعاملات المالية، الذي يرتبط ارتباطًا مباشرًا بنزاهة المجتمع وعدالته.

الغرامات المالية المشروطة مسبقًا على المدين المماطل لا يجوز فرضها شرعًا، لأنها تُعد من الربا المحرم. أما التعويض عن الضرر الحقيقي الناتج عن التأخير، فيجوز عند ثبوته، بشرط أن يتم تقديره من جهة محايدة دون اشتراط سابق. وتبقى الشريعة الإسلامية واضحة في رفض كل صور الاستغلال المالي، مع تأكيدها على حماية حقوق الدائنين بالوسائل المشروعة.

التعليقات

لا يوجد تعليقات

اترك تعليق

يجب تسجيل الدخول أولا. تسجيل الدخول

قد يهمك أيضا

تعــرف على ميكسات فور يو
اتصل بنا
سياسة الخصوصية
من نحن
خريطة الموقع
تابعنا علي منصات السوشيال ميديا

جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt

Loading...