في كل عام، ومع اقتراب شهر صفر الهجري، يتجدد الجدل حول "تشاؤم بعض الناس من الزواج فيه"، حيث تنتشر بعض الأقوال القديمة التي تحذر من إقامة الأفراح أو البدء في الحياة الزوجية خلال هذا الشهر، بدعوى أنه "شهر نحس" أو "تكثر فيه المصائب"، وهي اعتقادات توارثتها بعض المجتمعات دون التثبت من أصولها الدينية أو العلمية.
لكن السؤال الأهم: هل هناك أي دليل شرعي على منع الزواج في شهر صفر؟ ولماذا ارتبط هذا الشهر بالتشاؤم لدى بعض الناس؟
في هذا التقرير، نعرض أبرز الحقائق المتعلقة بهذه المعتقدات، وفق ما ورد عن العلماء والمؤسسات الدينية.
أجمع علماء المسلمين على أن شهر صفر كسائر شهور السنة لا يُحمل أي نحس ولا يتضمن في ذاته شرًا زائدًا. بل إن التشاؤم من الأيام أو الشهور يعد من "الطِّيَرة" المنهي عنها شرعًا. والدليل هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر".
يُعتقد أن سبب التسمية بـ"صفر" يرجع إلى أن العرب كانوا يخرجون للحروب والأسفار فيه، فيخلو منهم المنزل، ويُصبح "صفرًا" من الرجال. وهناك رأي آخر بأن الأسواق كانت تخلُ من السلع والمؤن، فيصير شهر جوع وقلق اقتصادي، ما قد يفسر ارتباطه بالتشاؤم قديمًا.
لا يوجد أي سند شرعي يربط بين شهر صفر وبين النحس أو كثرة المصائب. بل إن الإيمان بأن الشهر يحمل في ذاته سوءًا هو من البدع والخرافات التي لا تليق بالمؤمن الواعي بدينه.
جميع أشهر السنة مباحة للزواج من الناحية الشرعية، ولا يوجد في الإسلام تحديد لمواعيد الفرح أو الزواج أو الولادة أو أي أمر دنيوي بشهر معين. لذلك فالزواج في شهر صفر جائز دون كراهة أو حرج.
نعم، شهد شهر صفر عبر التاريخ بعض الأحداث المؤلمة، مثل مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي بعده بأيام. لكن هذا لا يعني أن الشهر بذاته مشؤوم، بل إن الحوادث المؤلمة وقعت أيضًا في غيره من الشهور.
يرتبط الخوف أساسًا بالتراث الشعبي والقصص المتناقلة، وليس بالنصوص الشرعية. بعض الأهل ما زالوا يحذرون أبناءهم من الزواج في صفر خوفًا من النكد أو الفشل، لكن كل هذا لا يعدو كونه موروثات بلا أساس.
أكدت مؤسسات الفتوى في مصر والعالم الإسلامي أن الزواج في صفر جائز، ولا يترتب عليه أي مكروه أو ذنب، وكل اعتقاد بغير ذلك يجب الحذر منه.
يمكن للبعض أن "يتشاءم" لأسباب نفسية أو اجتماعية، لكن لا يجوز له أن يحكم بتحريم شيء أباحه الله، مثل الزواج في شهر معين، فالتشريع لا يقوم على الأهواء.
انتشار هذه المعتقدات يضر المجتمع، ويزيد من التردد في اتخاذ قرارات مهمة كعقود الزواج أو السفر، مما يعطل حياة الأفراد دون داعٍ.
علم النفس يرى أن التشاؤم الموسمي يعكس خوف الإنسان من المجهول، وغالبًا ما يكون ناتجًا عن تراكمات أسرية أو تجارب شخصية. العلاج هنا هو التثقيف الديني والعقلي.
الزواج من السنن المؤكدة، وهو ميثاق غليظ لا علاقة له بزمن معين. والأفضل أن يُرتب وفقًا للراحة النفسية والاستعداد المادي، لا بناء على تواريخ أو أيام.
هناك آلاف الحالات من الزيجات التي تمت في شهر صفر، واستمرت لسنوات في استقرار وسعادة. لذلك، لا يجب أن يكون التوقيت مصدر خوف لأي من الطرفين.
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الطيرة والتشاؤم، ودعا إلى التوكل على الله، وحُسن الظن به. وكل من يؤمن بهذه التعاليم لا يمكنه أن يصدق بخرافة "زواج صفر شؤم".
شهر صفر هو الشهر الثاني في التقويم الهجري، ويأتي بعد شهر المحرم. ولم يرد في الشريعة الإسلامية ما يميزه عن غيره من الشهور من حيث الخير أو الشر. بل إن الإسلام شدد على أن الزمن كله مخلوق لله، لا يُنسب إليه نحس أو بركة إلا بإذنه.
والتحذير من التشاؤم مرتبط بخطورة الوقوع في الشرك الخفي، لأن نسبة الخير أو الشر إلى زمان معين دون دليل شرعي، يدخل في باب التطيُّر المذموم.
التوعية ضرورية، خصوصًا للأجيال الجديدة، بفصل الموروثات الشعبية عن الأحكام الشرعية. فالإسلام دين علم ويقين، لا يخضع للخرافات، ولا يدعو أتباعه للتردد أو الخوف من الأيام والشهور.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt