في فتوى جديدة تُسلّط الضوء على أحد الجوانب الشرعية الهامة في قضايا الميراث، أوضح أحد أمناء الفتوى بدار الإفتاء المصرية أن الديون تُقدَّم على الوصايا عند توزيع التركة، مؤكدًا أن الدَّين لا يُعد من مال الميت، بل هو حق للغير، وبالتالي يجب سداده أولًا قبل الالتفات لأي وصية يتركها المتوفى. هذه القاعدة تُعتبر من الثوابت الفقهية التي لا خلاف عليها بين العلماء، ولكن يبقى السؤال: كيف نُرتب التركة بشكل شرعي؟ ولماذا يُعطى الدَّين هذه الأولوية؟
التركة هي كل ما يتركه الإنسان بعد وفاته من أموال، ممتلكات، ديون له، وحقوق، وتشمل:
الأموال السائلة
العقارات والأراضي
المنقولات (مثل السيارات والأثاث)
الحقوق المالية التي للميت عند الغير
ولكن هذه التركة لا تُوزَّع مباشرة على الورثة بمجرد الوفاة، بل يجب أولًا سداد الحقوق المتعلقة بها.
أكدت دار الإفتاء المصرية مرارًا أن هناك أربع مراحل شرعية وقانونية لتوزيع التركة، وهي على النحو التالي:
وتشمل:
تغسيله
تكفينه
دفنه
سواء كانت ديونًا لله (مثل الزكاة، الكفارات، النذور)، أو ديونًا للعباد (مثل القروض، الأقساط، الأموال التي استدانها).
بشرط:
ألا تتجاوز ثلث التركة
ألا تكون لوارث إلا إذا وافق الورثة الآخرون
يتم ذلك وفقًا لأحكام الميراث في الشريعة الإسلامية، كما نظمها القانون المصري المستمد من الفقه الإسلامي.
السبب الأساسي هو أن الديون حق واجب الأداء، وهي في ذمة المتوفى، ويجب سدادها قبل أي تصرف في أمواله. ومن أبرز الأسباب:
الدين لا يُعد مالًا للميت، بل مالًا لغيره في ذمته.
الوصية تصرّف تطوعي، أما الدين فهو إلزام شرعي.
سداد الدين يُطهّر ذمة الميت أمام الله والناس.
لنفترض أن شخصًا تُوفي وترك:
100,000 جنيه
دَين مستحق عليه بمبلغ 30,000 جنيه
ووصية لأحد أصدقائه بـ 20,000 جنيه
يتم التوزيع كالتالي:
يُخصم أولًا 30,000 جنيه لسداد الدين
تُنفذ الوصية بمبلغ 20,000 جنيه (لأنها لا تتعدى ثلث الباقي وهو 70,000)
يُوزع المبلغ المتبقي (50,000 جنيه) على الورثة الشرعيين
أما لو كانت الوصية تتجاوز الثلث، فيجب أخذ موافقة الورثة على تنفيذها.
لا يجوز شرعًا ولا قانونًا تنفيذ أي وصية أو توزيع أي جزء من التركة على الورثة قبل سداد الدين. الديون مقدّمة بلا خلاف، وأي تصرف قبلها يُعد باطلًا شرعًا، وقد يُعرّض منفذ التركة للمساءلة القانونية.
تنقسم الديون إلى نوعين رئيسيين:
مثل:
الزكاة المتأخرة
الكفارات
الحج الواجب ولم يتم
وتشمل:
قروض
أقساط متأخرة
ضمانات مالية
وفي كلا النوعين، تُقدَّم هذه الديون على الوصية وتُسدَّد من أموال التركة فورًا.
في حال كانت التركة غير كافية لسداد الديون، يُقسَّم المال على الغرماء (الدائنين) كل حسب نصيبه، ويُعد الميت مفلسًا شرعًا، وفي هذه الحالة لا تُنفذ أي وصية ولا يحصل الورثة على شيء.
يُعد هذا تصرفًا باطلًا ومخالفًا للشرع، ويترتب عليه:
بقاء ذمة الميت مشغولة بالدين
تعريض الورثة للحساب الشرعي في الآخرة
إمكان مطالبة الدائنين قانونيًا بحقوقهم
كما أوضح علماء الأزهر أن كل وريث يأخذ نصيبه قبل سداد الدين يُعد متعديًا على حق الغير، وهذا لا يجوز.
التوجه إلى دار الإفتاء أو الجهات المعنية قبل توزيع التركة.
توثيق الديون والوصايا كتابيًا إن وُجدت.
عدم استعجال توزيع التركة قبل إنهاء التزامات الميت.
تنفيذ وصية الميت فقط في حدود الشرع (ثلث التركة كحد أقصى).
إبراء ذمة المتوفى قدر المستطاع.
الإجابة: لا، فالميراث لا يُعتبر حقًا مكتملًا للورثة إلا بعد:
دفع تكاليف الدفن
سداد الديون
تنفيذ الوصايا (في حدود الثلث)
عندها فقط يتم توزيع الميراث
لذا، لا يجوز للورثة التصرف في العقارات أو الأموال إلا بعد استيفاء هذه الشروط.
أوضح أمناء الفتوى بدار الإفتاء المصرية أكثر من مرة أن هذه القاعدة الشرعية تنطبق على كل الحالات دون استثناء، ووجّهوا رسائل صريحة إلى الورثة بعدم التسرّع في توزيع الميراث. فالتصرف السليم يُرضي الله، ويُريح الميت، ويمنع المنازعات بين الورثة والدائنين.
تُعد قاعدة تقديم الدين على الوصية من أهم القواعد الفقهية التي يجب أن يُدركها كل مسلم عند التعامل مع التركة، سواء كوصي أو كوارث. فالشرع يُعلي من قيمة حقوق الغير، ويُحمّل الورثة مسؤولية حفظ هذه الحقوق وتنفيذها بأمانة. وتطبيق هذه القاعدة ليس فقط التزامًا دينيًا، بل هو ضمان لراحة الميت وحماية لأموال الناس، وتقوية للروابط بين أفراد المجتمع.
قبل أن تُفكر في ميراثك، فكّر في ديون من تحب وساعد في تطهير ذمته.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt