في اجتماعها الأسبوعي المنعقد صباح الخميس، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، وافقت الحكومة على عشرة قرارات محورية تمسُّ قطاعات الاقتصاد والخدمات الاجتماعية والتشريعات المنظمة للسوق. تأتي هذه الحزمة استجابةً لجملة من المتغيرات المحلية والدولية، وتهدف في مجملها إلى تحفيز النمو، تخفيف الأعباء عن المواطنين، ودعم مسار التحول الرقمي الذي تتبناه الدولة حتى عام 2030. فيما يلي نستعرض نصوص القرارات، خلفياتها، وكيف يمكن أن تنعكس على حياة المواطن والمستثمر على السواء.
أقرّ مجلس الوزراء مشروع تعديل جزئي لقانون ضريبة القيمة المضافة، يضيف إعفاءات ضريبية تصل إلى خمس سنوات للمشروعات المستوفية لمعايير الاقتصاد الأخضر. يهدف القرار إلى جذب الاستثمارات في الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية ومعالجة المخلفات، مع اشتراط الالتزام بنسبة مكوِّن محلي لا تقل عن 40٪ خلال فترة الإعفاء.
منحت الحكومة الضوء الأخضر لبدء المرحلة الثانية من المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» في 250 قرية إضافية، تركز على مد شبكات الصرف الصحي، وإعادة تأهيل المدارس، وتأسيس وحدات الرعاية الصحية الأولية. ويُنتظر أن يستفيد قرابة 2.8 مليون مواطن من هذه الحزمة، بميزانية تقديرية تبلغ 28 مليار جنيه.
في إطار خطّة إعادة هيكلة الدعم، وافق المجلس على تعريفة شرائح الكهرباء الجديدة، مع الإبقاء على أسعار الشريحة الأولى (حتى 100 كيلووات) دون تغيير للعام الثالث تواليًا. الزيادة تتركز في الشريحتين الرابعة والخامسة للاستهلاك المنزلي المرتفع، مقابل تثبيت سعر الكهرباء للقطاع الصناعي بهدف تحفيز الإنتاج المحلي.
أصدر المجلس قرارًا يلزم جميع الجهات الحكومية بإتمام تحصيل الرسوم والخدمات عبر نظام موحَّد للدفع الإلكتروني بداية من أكتوبر المقبل. تتكامل المنظومة مع تطبيق «مصر الرقمية»، وتستهدف الحد من تداول النقد الورقي وتقليص زمن تقديم الخدمة للمواطن.
وافق المجلس على تخصيص مساحة 1.4 مليون متر مربع جنوب مدينة العلمين لإنشاء مجمع بتروكيماويات متكامل بالشراكة مع تحالف استثماري مصري–خليجي. يركز المشروع على إنتاج البوليمرات المتخصصة والأسمدة الفوسفاتية، مع توقع توفير أكثر من ثمانية آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في مرحلة التشغيل.
استجابة لمطالب النقابات العمالية، أقرَّت الحكومة رفع حد الإعفاء الضريبي السنوي إلى ٧٥ ألف جنيه بدلاً من ٦٠ ألفًا، على أن يطبَّق القرار اعتبارًا من مرتبات يوليو 2025. وتتوقّع وزارة المالية أن يستفيد نحو 4.2 مليون موظف مدني من هذا التعديل، بما يساهم في تحسين الدخل المتاح للإنفاق اليومي.
أعطت الحكومة الموافقة النهائية على توقيع بروتوكول مع البنك الدولي بقيمة 600 مليون دولار لتمويل إنشاء خمس محطات لتحلية مياه البحر على ساحل البحر الأحمر وخليج السويس، بطاقة إجمالية 350 ألف متر مكعَّب يوميًا. القرار يأتي ضمن استراتيجية تنويع مصادر المياه ومواجهة تأثيرات تغير المناخ.
في خطوة تهدف لتنظيم القطاع وتقليل المخاطر، وافق المجلس على إطار تشريعي يُلزم شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة بالحصول على رخصة تشغيل من هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، مع اشتراط الإفصاح عن بروتوكولات حماية البيانات وتحديد مسؤولية خوارزميات التعلُّم الآلي.
تم الاتفاق على رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص ليصبح ٦٥٠٠ جنيه شهريًا بدلاً من ٥٠٠٠، اعتبارًا من يناير 2026، مع منح المنشآت الصغيرة فترة سماح ستة أشهر لتوفيق أوضاعها. القرار يأتي ثمرة جولات حوار بين اتحاد الصناعات واتحاد العمال ووزارة القوى العاملة.
أخيرًا، وافقت الحكومة على مشروع قانون جديد لتنظيم العمل التطوعي والمجتمعي، يهدف إلى تمييز الأنشطة الخيرية غير الربحية عن تلك ذات الطابع التجاري، ويضع آليات شفافة للتمويل والتبرعات. القانون ينشئ «وحدة تنظيم العمل التطوعي» بوزارة التضامن لمتابعة قاعدة بيانات الجمعيات والمتطوعين.
تنعكس قرارات المجلس على ثلاث مستويات:
المستوى الاقتصادي: توسيع الإعفاءات الضريبية وتنظيم الذكاء الاصطناعي يدفع بيئة الأعمال نحو تنافسية أكبر، ويشجع الاستثمارات المحلية والأجنبية.
المستوى الاجتماعي: رفع حد الإعفاء الضريبي ومبادرة «حياة كريمة» يحسّنان الدخل والخدمات في الريف، ما يقلل فجوة العدالة التنموية.
المستوى البيئي: مشروعات تحلية المياه والإعفاء الضريبي للصناعات الخضراء تؤسسان لاقتصاد أكثر مرونة في مواجهة ندرة المياه والتغير المناخي.
بحزمة القرارات العشرة، تبدو الحكومة عازمة على تحقيق توازن دقيق بين استدامة المالية العامة وتحفيز النمو وعدالة التوزيع. وإذا تم تنفيذ هذه القرارات وفق الجدول الزمني المعلن، فمن المنتظر أن يلمس المواطن تحسنًا في الخدمات وفرص العمل، بينما يجد المستثمر مناخًا أكثر استقرارًا ووضوحًا. الأيام المقبلة ستكشف مدى فاعلية هذه الخطوات في تحقيق المستهدفات الطموحة لرؤية مصر 2030.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt