في ظل تصاعد حالات التحرش اللفظي والجسدي التي تُرصد في المجتمع، خرج أحد أمناء الفتوى في دار الإفتاء المصرية بتصريحات حاسمة تُدين هذا الفعل الإجرامي وتُعيد التأكيد على أنه من كبائر الذنوب في الشريعة الإسلامية.
التحرش لم يعد مجرد ظاهرة سلوكية شاذة، بل أصبح حديث الساعة في الكثير من المجتمعات، ما استوجب تدخلًا دينيًا واضحًا لقطع الطريق على مروّجي التبريرات الزائفة، وعلى رأسها: ملابس المرأة أو طريقة مشيها.
قال الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن التحرش من الذنوب الكبيرة التي توعد الله صاحبها بالعقاب الشديد، مشيرًا إلى أنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال تبرير هذا السلوك الإجرامي بأسباب تتعلق بالضحية، مثل شكل ملابسها أو أسلوبها في الكلام أو السير.
وأكد أن الإسلام دين يدعو إلى الستر والتقوى، لا إلى التربص والتجاوز، وأن الرجل مأمور بغض البصر وليس بالتعدي أو الإساءة.
أوضح أمين الفتوى أن الحديث عن مظهر المرأة لتبرير التحرش لا يمت للدين بصلة، بل هو نوع من الهروب من المسئولية والبحث عن مخرج للمعتدي.
وقال: "لو افترضنا جدلًا أن المرأة غير محتشمة، فهذا لا يمنح أحدًا الحق في إيذائها، لأن حدود الشرع لا تُبنى على الاستفزاز، بل على الالتزام الفردي بالسلوك القويم".
كما شدد على أن الرجل المؤمن هو من يضبط نفسه، ويتعامل مع النساء بخلق واحترام، بصرف النظر عن هيئتهن.
بعض المتحرشين يبررون أفعالهم بما يسمونه "دوافع غريزية"، لكن الدين الإسلامي ينظر إلى هذه الذرائع باعتبارها حججًا واهية لا تُقبل شرعًا.
الغريزة موجودة في كل إنسان، لكن الله أمر بكبحها والسيطرة عليها، وجعل الزواج طريقًا مشروعًا للتعبير عنها، أما التعدي والتحرش فهما عدوان محرّم وتجني على حدود الله والناس.
وأكد أمين الفتوى أن الإنسان ليس عبدًا لشهواته، بل هو مسؤول عن تصرفاته أمام الله والمجتمع والقانون.
ولفت إلى أن الأذى النفسي الذي تتعرض له الضحية قد يستمر لسنوات، وقد يترك آثارًا يصعب علاجها، وهذا يجعل التحرش ليس فقط ذنبًا، بل جريمة مجتمعية تُخلّ بتوازن الحياة وتضر بالسلام النفسي للناس.
أكدت دار الإفتاء في أكثر من موضع أن اللوم لا يجب أن يُلقى على الضحية، مهما كان مظهرها أو سلوكها، لأن الجاني هو من يتحمل المسؤولية الكاملة عن فعلته.
وتابع أمين الفتوى: "محاولة إلصاق الذنب بالضحية يُعد جريمة أخلاقية أخرى، تُكرّس لثقافة لوم النساء وتُبرّئ المتحرشين".
وأضاف أن الشريعة قائمة على العدل والرحمة، وليس على إلقاء التهم على الضعفاء والمستضعفين.
أوضح أمين الفتوى أن من وقع في ذنب التحرش عليه أن يبادر بالتوبة النصوح، وهي لا تكون مجرد ندم، بل يجب أن تتضمن:
الإقلاع عن الفعل فورًا
الندم على ما فات
العزم على عدم العودة
الاستغفار والدعاء
إن أمكن، الاعتذار أو رد الاعتبار للضحية
وأكد أن الله غفور رحيم، لكنه لا يغفر ظلم العباد لبعضهم البعض إلا إذا سامح المظلوم.
أما إذا نشأ في بيئة تروج لتبرير التحرش، أو تلقي باللوم على الضحية، فإن احتمالية انحرافه ستزيد.
ودعا أمين الفتوى أولياء الأمور إلى التركيز على التربية القيمية وليس فقط السلوكية، فالدين لا يُختزل في أداء الصلاة، بل يشمل المعاملة والخلق والحياء.
دعا أمين الفتوى المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية إلى تحمّل مسؤوليتها في مكافحة الظاهرة، من خلال:
نشر التوعية بخطورة التحرش
عرض قدوات إيجابية من الشباب المحترم
تقديم محتوى يحترم المرأة ولا يُشيّئها
ربط الأخلاق بالدين بطريقة صحيحة وغير متطرفة
وأشار إلى أن المجتمع السوي هو الذي يربّي أبناءه على "الحياء"، لا على "الهيمنة"، وعلى "الرحمة"، لا على "القسوة أو الاستهزاء بالضعيف".
أوضح أمين الفتوى أن القانون الوضعي والدين الإسلامي متفقان في تجريم التحرش، وأنه لا تعارض بينهما، بل تكامل.
وقال إن من يُمسك بمتحرش، أو يبلغ عنه، فإنه لا يغتابه ولا يفضحه، بل يمنع منكرًا ويُوقف أذىً عن الأبرياء، مشددًا على أن "السكوت على التحرش يُعد نوعًا من التواطؤ، ولو كان بالصمت فقط".
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt