في خطوة حاسمة ضمن جهود السلطات المصرية لمكافحة غسيل الأموال والتجاوزات الأخلاقية على منصات التواصل الاجتماعي، صدر قرار بالتحفظ على أموال وحسابات البلوجر الشهيرة المعروفة باسم "سوزي الأردنية"، بعد أن كشفت التحقيقات عن تورطها في مخالفات جسيمة، سواء على الصعيد المالي أو الأخلاقي، عبر منصات إلكترونية أبرزها "تيك توك" و"إنستجرام".
القرار يأتي في إطار حملة موسعة تستهدف مؤثري السوشيال ميديا الذين تخطوا الخطوط الحمراء واستغلوا شهرتهم الرقمية في أنشطة مشبوهة، غير قانونية، أو تمثل خطرًا مباشرًا على القيم المجتمعية.
سوزي الأردنية، هي واحدة من أبرز الوجوه النسائية على تطبيقات الفيديوهات القصيرة، اكتسبت شهرة واسعة خلال فترة قصيرة بفضل محتوى وصفه كثيرون بـ"الساخن" أو "المثير للجدل". وعلى الرغم من الانتقادات المستمرة، استمرت في تقديم فيديوهات تعتمد على لفت الانتباه والظهور الجريء.
ومع مرور الوقت، بدأت في تحقيق أرباح طائلة عبر البث المباشر واستقبال "هدايا رقمية"، إلى جانب التعاون مع بعض الصفحات الإعلانية بطريقة غير قانونية.
بدأت الجهات المختصة متابعة نشاط سوزي الأردنية بعد ورود بلاغات عدة من مواطنين وجمعيات أهلية، تشير إلى مخالفتها لآداب النشر والإضرار بالقيم الأسرية. كما أشارت بعض التقارير إلى تضخم ثروتها بشكل مريب خلال أشهر قليلة، مما استدعى التوسع في التحري حول مصادر دخلها.
وبالفعل، قامت الأجهزة الرقابية بتشكيل لجنة فنية لمتابعة نشاط حساباتها المصرفية والرقمية، بالإضافة إلى تحليل المحتوى المنشور على مختلف المنصات. وخلصت اللجنة إلى وجود شبهة غسيل أموال وكسب غير مشروع، بالتوازي مع مخالفات قانونية في المحتوى الإعلامي.
التحفظ على الأموال لا يعني بالضرورة الإدانة، ولكنه إجراء احترازي تتخذه الجهات القضائية لحين الانتهاء من التحقيقات. ويشمل هذا القرار:
تجميد الحسابات البنكية الخاصة بها داخل مصر.
منع التصرف في الممتلكات المنقولة وغير المنقولة.
حظر التعامل المالي باسمها أو نيابة عنها.
حظر السفر لحين انتهاء التحقيقات.
هذه الإجراءات تهدف إلى منع التلاعب أو تهريب الأموال، وضمان الحفاظ على حقوق الدولة أو المتضررين، حال ثبوت الاتهامات.
بحسب ما كشفت عنه التحقيقات الأولية، فإن الاتهامات الموجهة إلى سوزي الأردنية تتضمن:
غسيل أموال باستخدام وسائل إلكترونية يصعب تتبعها.
التحريض على الفسق والفجور من خلال محتويات مرئية متكررة.
استغلال منصات التواصل لتحقيق ربح غير مشروع دون رقابة ضريبية.
الإضرار بالصحة النفسية للمراهقين من خلال محتوى غير مناسب.
التهرب الضريبي بعدم التصريح بمصادر الدخل الضخمة التي تحققها.
جاء قرار التحفظ على أموال سوزي الأردنية كرسالة قوية من الدولة، لاقى ترحيبًا واسعًا من الشارع المصري، خاصة في ظل تصاعد القلق من تأثير هذه النماذج السلبية على فئة الشباب.
وطالب كثير من المواطنين بالمزيد من الرقابة على المؤثرين الذين يقدمون محتوى لا يتناسب مع طبيعة المجتمع، مشيرين إلى أن ما يحدث يشبه "الانفلات الرقمي"، الذي يستغل غياب القوانين الرادعة لتحقيق مكاسب سريعة على حساب المجتمع.
الإشكالية الكبرى في هذه القضايا هي أن صناع المحتوى غالبًا ما يتحركون في منطقة رمادية قانونيًا، حيث لا يُعرّف المحتوى المقدم كمادة إعلامية بالمعنى التقليدي، ما يصعّب من محاسبة مقدميه، خاصة على التطبيقات الأجنبية.
لكن في السنوات الأخيرة، بدأت الدولة في تعديل هذا الوضع القانوني، من خلال إدخال التشريعات المنظمة لنشاط المؤثرين، وإخضاعهم للرقابة الضريبية، والمحاسبة القانونية حال ارتكاب مخالفات.
على الرغم من الشعبية الكبيرة لتطبيق "تيك توك"، إلا أن القضية الأخيرة فتحت الباب مجددًا أمام مناقشة تأثير المنصات الاجتماعية على النسيج الثقافي للمجتمع. فالمشكلة لا تكمن في التطبيق نفسه، بل في آلية استخدامه.
وقد أظهرت الإحصائيات أن جزءًا كبيرًا من متابعي سوزي الأردنية هم من فئة المراهقين والشباب في سن خطير من ناحية التشكيل النفسي والسلوكي، مما يزيد من خطورة تأثير المحتوى الذي تقدمه.
لا تتوقف التحركات الرسمية عند القبض على بلوجر أو التحفظ على أموال مشهورة، بل هناك استراتيجية أوسع تعمل عليها الجهات المختصة، وتشمل:
إطلاق حملات توعية بالتعاون مع وزارات الثقافة والشباب والتعليم.
إصدار قوانين جديدة تنظم النشاط الرقمي وتفرض عقوبات صارمة.
ملاحقة الحسابات المزيفة أو التي تمارس نشاطات مشبوهة.
التعاون مع منصات التواصل للإبلاغ عن المحتوى المخالف.
إنشاء مرصد لمراقبة سلوك المؤثرين وتحليل التأثير المجتمعي.
التحركات الحكومية وحدها لا تكفي. فالحماية الأخلاقية تبدأ من الأسرة والمدرسة والمجتمع. ويجب أن يدرك أولياء الأمور خطورة ترك الأبناء يتابعون المحتوى بشكل غير مراقب، خاصة في ظل وجود نماذج غير مناسبة يتم الترويج لها كـ "قدوة".
كما أن وسائل الإعلام الرسمية مطالبة بمزيد من العمل على تقديم محتوى جاذب يوازي في انتشاره منصات المؤثرين، لكن بروح إيجابية تعزز القيم وتتصدى للتفاهة.
البعض يرى أن سوزي الأردنية مجرد ظاهرة سيتم نسيانها قريبًا، لكن الحقيقة أنها تمثل "نموذجًا متكررًا" لمئات المؤثرين الذين يحققون أرباحًا هائلة على حساب القيم. والتحفظ على أموالها لا يجب أن يُفهم كقضية فردية، بل كجرس إنذار لنظام رقابي شامل.
فما لم يتم فرض ضوابط واضحة وصارمة، فإن منصات التواصل ستظل تفرز نماذج مماثلة، أكثر تطورًا وربما أكثر خطرًا.
قرار التحفظ على أموال سوزي الأردنية يؤكد جدية الدولة في تطهير الفضاء الرقمي من كل من يهدد استقرار المجتمع، سواء عبر غسيل الأموال أو الترويج لسلوكيات مرفوضة. لكن النجاح الحقيقي لن يتحقق إلا بوجود وعي مجتمعي شامل، يتصدى لهذه النماذج، ويقدّم بدائل إيجابية لجيل بأكمله يبحث عن قدوة، ويفتش عن المحتوى الذي يعبر عنه ويحترم عقله.
وهنا يأتي الدور الأكبر: دور المدرسة، والمنزل، والإعلام، والقانون. لأن المعركة ليست فقط ضد بلوجر، بل ضد منظومة متكاملة من العبث يجب إيقافها قبل أن يصبح الضرر لا يمكن علاجه.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt