هذا التصريح أعاد النقاش حول مسؤوليات المرأة في الشريعة الإسلامية، وحدود التكليف، وأهمية التوازن بين الدور المهني والدور الأسري. في هذه المقالة، نعرض التفاصيل الكاملة لفتوى دار الإفتاء، ونناقش أبعادها الشرعية والاجتماعية والنفسية، ونقدم وجهات نظر متعددة حول ما إذا كان البيت والعمل صراعًا أم توازنًا ممكنًا.
خلال إحدى حلقات الفتاوى المباشرة عبر الصفحة الرسمية لدار الإفتاء، تلقى أمين الفتوى سؤالًا من سيدة تعمل، لكنها تواجه صعوبة في التوفيق بين عملها ورعاية أطفالها. وكانت إجابته واضحة:
"إذا كان العمل يتسبب في تقصيرك تجاه أبنائك، فالأولوية تكون للبيت، لأنك مسؤولة عن أولادك شرعًا، وهذا مقدم على الكسب المادي".
وأضاف أن الشريعة الإسلامية لا تمنع المرأة من العمل، لكنها تشترط أن لا يتعارض عملها مع مسؤولياتها الأسرية، وخصوصًا رعاية الأبناء والتربية والتوجيه.
"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".
ويعني هذا أن مسؤولية المرأة تجاه أبنائها ليست أمرًا اختياريًا، بل هي واجب شرعي تٌسأل عنه يوم القيامة، سواء كانت عاملة أم ربة منزل.
لا، الإسلام لا يمنع المرأة من العمل إذا توفرت الشروط التالية:
ألا يُسبب العمل تقصيرًا في حق الزوج أو الأبناء أو المنزل.
أن يكون العمل مشروعًا ومباحًا.
أن تلتزم بالآداب الشرعية في الملبس والسلوك.
أن يتم برضا ولي الأمر أو الزوج في بعض الحالات الخاصة.
وقد عملت النساء في عهد النبي ﷺ في مجالات متعددة، مثل التجارة والطب والتعليم، ومن أبرزهن السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
في بعض الحالات، تؤدي ضغوط العمل إلى:
إهمال الأبناء وتركهم في رعاية الخادمات أو دور الحضانة دون رقابة.
تدهور العلاقة الزوجية بسبب قلة التواصل والوقت المشترك.
تقصير في التربية والقيم، مما يؤدي إلى انحراف الأبناء في سن المراهقة.
إرهاق نفسي وجسدي للمرأة يجعلها غير قادرة على أداء أي من الدورين بشكل جيد.
ومن هنا تأتي أهمية الفتوى التي تضع ميزان الأولوية: إن كان لا بد من الاختيار، فالبيت أولى من العمل.
يؤكد بعض الخبراء الاجتماعيين أن العمل والبيت ليسا خصمين دائمًا، بل يمكن للمرأة أن تنجح في الجمع بينهما إذا توفرت لها:
بيئة عمل مرنة تدعم الأم العاملة.
دعم من الزوج والأهل في شؤون الأطفال.
تنظيم الوقت وترتيب الأولويات.
الاستعانة بمساعدة منزلية موثوقة عند الضرورة.
ويشيرون إلى أن وجود المرأة في سوق العمل يساهم في رفع مستوى المعيشة، ويعزز من استقلالها المالي والمعنوي، ويحقق لها الرضا الذاتي والشعور بالإنجاز.
علماء النفس يؤكدون أن السنوات الأولى من عمر الطفل هي الأكثر حساسية في التكوين النفسي والسلوكي. ويؤدي غياب الأم أو عدم تواجدها الكافي إلى:
ضعف في الروابط العاطفية بين الطفل والأم.
مشكلات في السلوك والانضباط بسبب غياب التوجيه.
تراجع في التحصيل الدراسي والانتباه.
شعور الطفل بالإهمال أو عدم الأهمية، ما يؤثر على ثقته بنفسه.
لكنهم يوضحون في الوقت ذاته أن الكم ليس أهم من الكيف؛ فقد تكون الأم متفرغة لكن لا تُحسن استغلال وقتها مع أبنائها.
الكثير من النساء العاملات يروين تجارب متنوعة، فمنهن من فضّلت التفرغ للأبناء بعد إنجابهم، مثل إحدى الأمهات التي قالت:
"كنت أعمل مهندسة، لكن بعد إنجابي الثاني شعرت أنني لا أربي أطفالي فعليًا. فقررت التفرغ، رغم أن الدخل انخفض، لكن راحة ضميري لا تُقدر بثمن."
في المقابل، تروي سيدة أخرى تعمل طبيبة:
"عملي جزء مني، لكنه لا يسبق أبنائي. نظمت جدولي اليومي بحيث أعود مبكرًا، وأخصص وقتًا ثابتًا لهم، وأراقب دراستهم بنفسي."
لم تكن هذه الفتوى الأولى من نوعها، فقد صدرت عن كبار العلماء فتاوى مشابهة، مثل:
فتوى الأزهر الشريف بأن عمل المرأة جائز ما لم يؤد إلى تقصيرها في حقوق بيتها.
فتوى مجمع البحوث الإسلامية بأن المرأة أولى برعاية الأبناء، خاصة في السنوات الأولى.
تأكيد مفتي الجمهورية السابق بأن خروج المرأة للعمل جائز، لكن بتقديم واجبات البيت في حال التضارب.
التوازن بين العمل والبيت ليس سهلًا، لكنه ممكن مع الوعي والإدارة الحكيمة. إليك بعض النصائح:
اختيار وظيفة ذات وقت مرن أو دوام جزئي.
تحديد أولويات اليوم بوضوح.
الاستعانة بجدول أسبوعي لتنظيم الوقت.
وضع وقت نوعي يومي للأبناء دون تشتيت.
الحصول على دعم الشريك وعدم تحمل كل الأعباء وحدها.
عدم الانسياق وراء ضغوط العمل على حساب الراحة النفسية للأبناء.
إن مستقبل الأوطان يبدأ من داخل البيوت، وصلاح الأبناء هو صلاح المجتمع، والمرأة حين تختار بيتها أولًا، فإنها لا تتخلى عن طموحها، بل تختار طريقًا أعظم في الأثر، وأسمى في الجزاء.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt