تتكرر في الحياة الزوجية بعض القضايا التي تمس القيم الأسرية والدينية في آنٍ واحد، من بينها ما يتعلق بـ حق الزوجة في زيارة والدتها المريضة، خاصة إذا رفض الزوج ذلك لأي سبب. وهنا يبرز سؤال شديد الحساسية: هل يجوز للزوجة أن تزور أمها المريضة دون إذن زوجها؟ وهل طاعة الزوج مقدَّمة على برّ الوالدين؟ هذه الأسئلة تُحرّك جدلًا بين الناس، وتدفع البعض للبحث عن رأي الشرع الصحيح في مثل هذه المواقف التي تمس كيان الأسرة وكرامة المرأة ومكانة الأم.
أجمع علماء الشريعة الإسلامية أن الزوجة مأمورة شرعًا بطاعة زوجها في غير معصية الله، ولكن الطاعة لا تعني التحكم المطلق، ولا تبرر المنع من أفعال تُعد من صميم البر والواجب الإنساني والديني.
وفي هذه الحالة، حيث تكون الأم مريضة أو في حاجة لابنتها، فإن الشرع لا يقبل بمنع الزوج زوجته عن زيارتها إذا لم يكن في الزيارة ضرر عليه أو على الأسرة، خاصة إن كانت الأم في حالة مرض أو احتضار أو حاجة للرعاية.
قالت دار الإفتاء المصرية في فتوى رسمية:
"لا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من زيارة أمها المريضة إذا كانت في حاجة لها، ولا تُعد مخالفتها له في هذه الحالة معصية، بل هي من باب البر وصلة الرحم".
وأضافت الفتوى أن طاعة الزوج ليست مطلقة، بل مقيدة بما لا يتعارض مع أوامر الشرع، وأن منع الزوج لزوجته من أداء واجبها نحو أمها المريضة أمر غير جائز شرعًا، ويُعد تضييقًا لا مبرر له.
الفقهاء عندما ناقشوا هذه المسألة، قسموا الحالات إلى سيناريوهات واضحة:
أبرز العلماء والفقهاء الذين أباحوا للزوجة زيارة أمها المريضة دون إذن الزوج هم:
الإمام الشافعي: أجاز للمرأة أن تخرج لزيارة والديها في غير معصية.
ابن حزم الظاهري: شدد على أن المنع من صلة الرحم نوع من الظلم.
اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية: أكدت في فتوى شهيرة أن منع المرأة من زيارة أهلها إذا كانوا في حاجة إليها لا يجوز شرعًا.
إذا أصر الزوج على منع زوجته من زيارة أمها المريضة دون وجه حق، فهنا يتدخل الشرع ويُرجّح كفة البر بالوالدة. ولا يُعد خروج الزوجة في هذه الحالة خروجًا آثمًا، بل هو تصرف مشروع.
بل إن بعض العلماء قالوا إن الزوج الذي يمنع زوجته من زيارة أمها دون مبرر شرعي يُعد قاطعًا للرحم ومعينًا على العقوق، وهو بذلك يتحمّل الإثم وحده، وليس الزوجة.
ورغم الفتاوى الصريحة، ينصح العلماء دائمًا أن تحرص الزوجة على:
الحوار مع الزوج بهدوء وإظهار أهمية الزيارة بالنسبة لها ولمعنويات الأم.
عرض الأمر على وسيط من أهل الزوج أو من أهل الثقة لتقريب وجهات النظر.
الالتزام بحدود الأدب واللياقة حتى لو خالفت أمر الزوج، فالمقصد ليس التمرد بل البر بأمها.
الإسلام رفع مكانة الأم وكرّمها تكريمًا عظيمًا، وجعل برّها فوق الجهاد في بعض الحالات. قال رسول الله ﷺ:
"أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك"رواه مسلم
فكيف تُمنع امرأة عن رؤية أمها المريضة؟ وكيف تُجعل طاعة الزوج في هذه اللحظة فوق أمر الله ببر الوالدين؟
في حالات الضرورة، نعم. إذا كانت الأم مريضة جدًا أو في حالة حرجة، ولم يستجب الزوج للرجاء أو التفاهم، يجوز للزوجة أن تزور والدتها دون إذنه، بشرط:
ألا تهمل بيتها أو أولادها.
ألا تطول فترة الغياب.
أن تكون نيتها صافية وبلا تحدٍّ أو انتقام.
ويُفضَّل أن تترك إشعارًا أو رسالة توضح فيها سبب الخروج وأنها لم تهرب من البيت بل تذهب للقيام بواجب شرعي وإنساني.
في النهاية، تبقى الأسرة مؤسسة قائمة على التفاهم وليس السيطرة. وقرار مثل زيارة أم مريضة لا يجب أن يكون محلّ نزاع، بل فرصة لإظهار الرحمة والتعاون.
الزوج العاقل لا يمنع زوجته من البر بأمها.
والزوجة الواعية تعرف كيف تُراعي بيتها وفي نفس الوقت تُرضي ربها.
وإذا فُقد التفاهم، كان للشرع القول الفصل، والشرع يقول: برّ الوالدين مقدم في حال المرض والحاجة.
ولهذا، فزيارة الأم المريضة ليست فقط حقًا شرعيًا للزوجة، بل هي واجب لا يجوز التفريط فيه، ومنعها دون عذر واضح يُعد مخالفة لأمر الله وصلة الرحم.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt