الإجهاض من القضايا الحساسة التي تتداخل فيها الجوانب الدينية والطبية والإنسانية، وقد تتعرض له المرأة لأسباب مختلفة، سواء كانت صحية أو نفسية أو اجتماعية. ويكثر السؤال دائمًا: هل يجوز الإجهاض في الشهر الأول؟ وهل هناك فرق في الحكم بين بداية الحمل وبلوغه مراحل متقدمة؟ هذا التساؤل طرحه كثيرون، وكان الرد من دار الإفتاء المصرية واضحًا من خلال أمين الفتوى.
الإجهاض في المفهوم الإسلامي هو: إسقاط الجنين من رحم أمه قبل أن تكتمل مدة حمله الطبيعية سواء كان ذلك عمدًا أو بغير قصد. ويُعد من الأمور الخطيرة التي يجب الوقوف عندها بعناية، نظرًا لتعلقه بروح إنسانية قيد التكوين.
وينقسم الإجهاض إلى نوعين:
إجهاض عمدي: وهو أن تتعمد الأم أو الطبيب إنهاء الحمل دون سبب ضروري.
إجهاض غير عمدي: كأن يحدث سقوط الجنين لأسباب طبية أو عرضية خارجة عن الإرادة.
اتفق العلماء أن نفخ الروح في الجنين يحدث بعد مرور 120 يومًا (4 أشهر) على الحمل، وهو ما استُدل عليه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
"إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح..."
وبالتالي، فإن مرحلة ما قبل 120 يومًا تعتبر مرحلة "ما قبل الروح"، وتُناقش فيها أحكام خاصة تختلف عن مرحلة ما بعد ذلك.
"الإجهاض في الشهر الأول دون وجود عذر طبي أو ضرورة معتبرة شرعًا لا يجوز، حتى وإن لم تُنفخ الروح في الجنين بعد."
وأكد أن الحمل نعمة من الله، وأنه لا يجوز التخلص منه إلا إذا ثبت طبيًا أنه يُشكل خطرًا على حياة الأم أو يُسبب ضررًا بالغًا لها، وفي هذه الحالة يكون قرار الإجهاض بعد الرجوع إلى الطبيب الثقة وأهل الفتوى.
تسأل بعض النساء عن الحكم الشرعي في حالات الحمل الناتجة عن:
علاقة غير شرعية (زنا)
خطأ طبي
ظروف اجتماعية قاسية
ضعف الصحة النفسية أو الجسدية
وفي هذه الحالات، أوضحت دار الإفتاء أن:
الحمل الناتج عن علاقة غير شرعية لا يُجيز الإجهاض أيضًا، لأن الجنين لا ذنب له فيما حدث، وهو في حكم النفس البريئة.
الحالات الطبية والنفسية المعقدة تُعرض على لجنة شرعية طبية مختصة لتحديد جواز الإجهاض من عدمه، وقد يُجيز العلماء الإجهاض في حالة وجود خطر واضح ومحقق على حياة الأم، لا مجرد الخوف أو القلق.
تُجمع معظم الفتاوى الإسلامية على أن الإجهاض مباح قبل 120 يومًا فقط في حالات استثنائية ومقيدة، أبرزها:
إذا كان الحمل يُشكل خطرًا جسيمًا على صحة الأم
إذا ثبت تشوه شديد للجنين غير قابل للعلاج
إذا كان الحمل يسبب ضررًا نفسيًا بالغًا مع تقرير طبي معتمد
ويجب في كل الأحوال الرجوع إلى دار الإفتاء أو جهة رسمية شرعية، وعدم التصرف بناءً على اجتهاد شخصي.
المالكية: يُحرمون الإجهاض مطلقًا منذ بداية الحمل، سواء نُفخت الروح أو لم تُنفخ.
الحنفية: يُجيزون الإجهاض قبل 120 يومًا في بعض الحالات.
الشافعية والحنابلة: يميلون إلى التحريم إلا لضرورة واضحة.
ويُستفاد من ذلك أن الرأي الغالب هو التحريم، إلا في حالات الضرورة القصوى، ويكون ذلك بعد استشارة أهل العلم.
نبه العلماء إلى أن قتل النفس بدون سبب شرعي كبيرة من الكبائر، والإجهاض المتعمد يدخل ضمن هذا الباب إذا لم يكن لضرورة.
وقد قال الله تعالى:
"وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ" [الإسراء: 31]
أي لا تقتلوا أولادكم خوفًا من الفقر، وهذا يشمل التخلص من الجنين خوفًا من أعباء مالية أو اجتماعية.
إذا كانت المرأة غير جاهزة نفسيًا أو اجتماعيًا أو صحيًا للحمل، يُنصح بما يلي:
الرجوع للطبيب مبكرًا بعد معرفة الحمل لتقييم حالتها بدقة
عرض الحالة على دار الإفتاء لطلب الرأي الشرعي المتخصص
الاعتماد على وسائل منع الحمل المشروعة مستقبلاً
طلب الدعم النفسي وعدم اتخاذ قرارات مصيرية تحت ضغط أو اكتئاب
الإجهاض، حتى في الشهر الأول، لا يُعد قرارًا شخصيًا صرفًا، بل هو أمر يرتبط بروح مخلوقة من الله، ويجب التعامل معه بعقل ودين ومسؤولية.
وقد أوضحت الفتوى أن الأصل هو المنع إلا للضرورة، ويجب أن يكون القرار نابعًا من مشورة طبية وشرعية موثوقة.
ففي زمن كثرت فيه الفتاوى الشخصية وقرارات الطب البديل، يظل المرجع الأصيل هو الكتاب والسنة وفتاوى أهل العلم، حفاظًا على النفس والروح والأسرة والمجتمع.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt