القرار الوزاري الذي حمل رقم 138 لسنة 2024 ينص صراحة على أن اللغة الأجنبية الثانية ستُعامل كمادة نجاح ورسوب فقط، أي أن الطالب يجب أن ينجح فيها كي لا يُعتبر راسبًا، ولكن لن تُحتسب درجاتها ضمن الـ 410 درجة التي يُبنى عليها المجموع النهائي للثانوية العامة.
وتُطبق هذه التعديلات بدءًا من العام الدراسي الجديد، على طلاب الصف الأول الثانوي وحتى الثالث الثانوي، دون أي أثر رجعي للدفعات السابقة.
وفقًا لتصريحات غير رسمية من مصادر داخل الوزارة، فإن القرار جاء نتيجة دراسة استهدفت تخفيف عدد المواد التي تدخل ضمن التقييم النهائي، وتقليل الضغط النفسي والتعليمي على الطلاب، خصوصًا مع التوسع في نظام التقييم الجديد القائم على الفهم والتحليل بدلًا من الحفظ فقط.
وأكدت المصادر أن القرار تم عرضه على لجان متخصصة داخل الوزارة، ولاقى قبولًا في ضوء أن معظم الكليات لا تشترط مجموع مادة اللغة الأجنبية الثانية ضمن معايير القبول، مما يجعل استبعادها لا يؤثر فعليًا على فرص الطلاب في التنسيق الجامعي.
ردود الفعل على القرار تباينت بشكل كبير، حيث اعتبره بعض أولياء الأمور قرارًا إيجابيًا من شأنه تقليل عدد المواد التي تسبب قلقًا زائدًا لأبنائهم، واعتبروه فرصة للتركيز على المواد التي تحدد مصير الطالب الجامعي، مثل الرياضيات، الفيزياء، الأحياء، واللغة العربية.
لكن على الجانب الآخر، أبدى كثير من أولياء الأمور والطلاب اعتراضهم على القرار، مؤكدين أن اللغة الأجنبية الثانية ليست مادة هامشية، بل هي إحدى المهارات الضرورية للطالب في حياته الجامعية والعملية، وأن هذا القرار قد يقلل من اهتمام الطلاب بها ويضعف مستوى إتقانهم للغات مثل الفرنسية، الألمانية، أو الإيطالية.
رفض عدد كبير من معلمي اللغة الأجنبية الثانية القرار الوزاري، وأكدوا أنه يُهمّش مجهوداتهم ومكانتهم الأكاديمية، ويُعطي انطباعًا للطلاب بعدم أهمية ما يُدرّسونه.
وأشار بعضهم إلى أن القرار سيؤدي إلى انخفاض مستوى التحصيل في المادة بشكل كبير، لأن الطالب بطبيعته سيميل إلى إهمال أي مادة لا تدخل ضمن التقييم النهائي أو تؤثر على مستقبله الجامعي، مما قد يؤدي إلى مشكلات لاحقة تتعلق بالكفاءة اللغوية للطلاب في مراحل لاحقة.
لم يتوقف الجدل عند الرفض الشعبي، بل وصل الأمر إلى الساحة القضائية، حيث تم رفع عدد من الدعاوى أمام محكمة القضاء الإداري للطعن على القرار الوزاري رقم 138 لسنة 2024، بحجة أنه تم دون عرض على المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي، وأنه يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص، ويمسّ بكيان مادة دراسية رئيسية.
وطالبت هذه الدعاوى بإلغاء القرار واعتباره كأن لم يكن، والعودة إلى احتساب اللغة الأجنبية الثانية ضمن المجموع الكلي، أسوة بباقي المواد الأساسية.
رأي التربويين حول القرار جاء متوازنًا، حيث أشار البعض إلى أن استبعاد مادة واحدة من المجموع قد يُسهم فعلًا في تقليل التوتر العام المصاحب لمرحلة الثانوية، ويسمح بتركيز مجهود الطالب في المواد المؤثرة على مستقبله الجامعي.
إلا أنهم في الوقت ذاته، شددوا على ضرورة وجود بدائل تحفيزية تجعل الطلاب يستمرون في دراسة اللغة الثانية باهتمام وجدية، مثل إدراجها في تقييم القدرات الجامعية أو منح مكافآت للمتفوقين فيها، حتى لا تتحول إلى مادة مهمّشة.
طرح عدد من الطلاب تساؤلات مشروعة حول مدى عدالة القرار، خاصة لمن أمضوا شهورًا طويلة في التحضير للمادة، وأخذوا دروسًا خصوصية فيها بتكاليف كبيرة.
وأشار البعض إلى أن توقيت القرار جاء متأخرًا، وكان من الأفضل تطبيقه بداية من مرحلة دراسية جديدة، وليس في منتصف العام، كما أنه يُربك الحسابات الدراسية، خصوصًا لمن كان يعوّل على مادة اللغة الثانية في رفع معدله.
القرار الجديد يحرم عددًا من الطلاب المتفوقين في اللغات الثانية من ميزة كانوا يعتمدون عليها لرفع المجموع النهائي، خصوصًا ممن يتميزون في الفرنسية أو الألمانية مقارنةً بمواد مثل الفيزياء أو الكيمياء.
وهو ما دعا البعض للمطالبة بوجود "نظام بديل"، مثل منح درجات إضافية تشجيعية أو إتاحتها كـ "مادة اختيارية ضمن تنسيق الكليات"، لمن يرغب في الاستفادة من مستواه المرتفع فيها.
أوصى عدد من الخبراء التربويين بضرورة التوازن بين تخفيف الضغط على الطلاب، والمحافظة على جودة التعليم، واقترحوا:
استمرار تدريس اللغة الثانية كمادة أساسية.
عدم احتسابها في المجموع، لكن جعلها مؤثرة في مسارات القبول لبعض الكليات.
تنظيم امتحان قدرات موحد يُحتسب فيه أداء الطالب في اللغة الثانية ضمن التقديم الجامعي.
تقديم حوافز رمزية للمتفوقين فيها.
كما طالبوا الوزارة بالتريث في تطبيق قرارات جذرية، خاصة تلك المتعلقة ببنية المناهج أو التقييم، وإجراء حوارات مجتمعية قبل إصدارها.
من المنتظر أن تُصدر محكمة القضاء الإداري حكمها النهائي في الدعاوى المقدمة ضد القرار الوزاري، وسط حالة ترقب من الطلاب والمعلمين على حد سواء.
وفي ظل الجدل المستمر، تبقى الأسئلة مطروحة: هل هذا القرار خطوة إصلاحية فعلًا؟ أم أنه بداية لتقليل الاهتمام باللغات الأجنبية في وقت أصبحت فيه مهارات اللغة أحد أهم أدوات التنافس في سوق العمل العالمي؟ الإجابة ستتضح خلال العام الدراسي القادم، بناءً على مستوى التفاعل والمردود الحقيقي للطلاب في هذه المادة التي باتت فجأة خارج دائرة المجموع.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt