تنظر محكمة جنايات دمنهور بمحافظة البحيرة اليوم الأربعاء 30 أبريل 2025، أولى جلسات محاكمة موظف إداري يعمل في مدرسة خاصة، متهم بالتعدي جنسيًا على طفل داخل المدرسة، في واقعة هزت الرأي العام وأثارت غضبًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، وسط مطالبات بتوقيع أقصى العقوبة على المتهم.
وتعد هذه الجلسة الأولى في القضية التي حملت رقم 33773 لسنة 2024 جنايات مركز دمنهور، والتي باشرتها النيابة العامة منذ عدة أشهر بعد بلاغ تقدمت به أسرة الطفل.
بدأت الواقعة بتقدم أسرة الطفل "ياسين" (5 سنوات) بشكوى ضد أحد العاملين في مدرسة خاصة شهيرة بمدينة دمنهور، تتهمه فيها بالتعدي على طفلهم داخل دورة مياه المدرسة، في واقعة تكررت أكثر من مرة، وفقًا لرواية الطفل وما رصدته والدته من تغيّر واضح في سلوكه.
وأكدت الأم في أقوالها أمام النيابة أنها لاحظت علامات خوف وقلق ورفض تام من ابنها للذهاب إلى المدرسة، إضافة إلى رفضه استخدام دورات المياه منفردًا. وعندما حاولت معرفة السبب، روى لها الطفل تفاصيل ما حدث معه من اعتداء على يد أحد العاملين بالمدرسة.
توجهت الأسرة إلى قسم الشرطة لتحرير محضر بالواقعة، إلا أن جهات التحقيق تأخرت في قيد البلاغ في بادئ الأمر بدعوى صعوبة إثبات الواقعة، خاصة أن الطفل لم يكن قادرًا في البداية على تحديد هوية المعتدي بدقة.
ورغم ذلك، أصرّت الأسرة على حق ابنها، وعرضته على طبيب مختص أفاد بوجود مؤشرات جسدية على تعرضه لاعتداء متكرر، ما دعم موقف الأسرة ودفع النيابة العامة إلى إعادة فتح ملف التحقيق لاحقًا.
بناءً على أقوال الأسرة، قررت النيابة العامة عرض الطفل على الطب الشرعي، والذي أكد وجود علامات تشير إلى الاعتداء، ما ساهم في تسريع إجراءات التحقيق، خاصة بعد أن تعرف الطفل لاحقًا على صورة المتهم عندما عرضت عليه مجموعة من الصور، واستطاع الإشارة إليه دون تردد.
بحسب ما جاء في ملف التحقيقات، فإن المتهم يدعى "ص. ك. ج."، يبلغ من العمر 78 عامًا، وكان يعمل مراقبًا ماليًا مكلفًا من إحدى الجهات الدينية بمراجعة حسابات المدرسة الخاصة.
وأكدت مديرة المدرسة أن المتهم ليس ضمن طاقم التدريس أو العاملين الإداريين الذين يتعاملون بشكل مباشر مع التلاميذ، وهو ما شكك فيه ممثلو الادعاء، خاصة أن الطفل أكد في روايته أنه التقى بالمتهم داخل المدرسة أكثر من مرة، وفي أماكن مختلفة.
كشفت والدة الطفل في بلاغها أن عددًا من المقربين من المتهم تواصلوا مع الأسرة في محاولة لإقناعهم بعدم الاستمرار في القضية، مقابل تقديم بعض التنازلات المادية، وعرض تعليم الطفل مجانًا في المدرسة حتى نهاية المرحلة الثانوية.
وقدمت الأسرة هذه المعلومات للنيابة ضمن ملف التظلم الذي تقدمت به بعد قرار النيابة الأول بحفظ التحقيق، ما دفع المحكمة لإعادة فتح الملف والتحقيق مع الوسطاء الذين ظهروا في القضية.
أجرت النيابة العامة مواجهة قانونية بين الطفل والمتهم، حيث تم عرض المتهم وسط مجموعة من الأشخاص، وتم تغيير بعض ملامحه في مرات لاحقة مثل إزالة النظارة والكوفية. ورغم ذلك، تمكن الطفل من التعرف عليه في مرتين من أصل خمس محاولات، وهو ما عزز موقف الادعاء.
واعترف الطفل خلال المواجهة بأن المتهم هدده أكثر من مرة إذا تحدث عمّا حدث، وأنه خاف في البداية من الحديث حتى لأسرته.
بعد اكتمال ملف التحقيقات، قررت نيابة دمنهور الكلية في شهر مارس الماضي إحالة المتهم رسميًا إلى محكمة الجنايات بتهمة "هتك عرض طفل لم يتجاوز عمره 18 عامًا بغير قوة أو تهديد"، وهي جناية يعاقب عليها القانون المصري بالسجن المشدد حال ثبوتها.
ويواجه المتهم حاليًا محاكمة أمام الدائرة الأولى بمحكمة جنايات دمنهور، في قضية تُعد من أخطر القضايا المرتبطة بالمؤسسات التعليمية في المحافظة خلال السنوات الأخيرة.
أثارت الواقعة ردود فعل غاضبة من قبل المواطنين، الذين طالبوا بتغليظ العقوبات على كل من يثبت تورطه في الاعتداء على الأطفال، خاصة داخل المدارس، باعتبارها مؤسسات تربوية يجب أن تكون ملاذًا آمنًا لا مكانًا للخوف والاعتداء.
ونظّم عدد من أولياء الأمور وقفة رمزية أمام المحكمة اليوم مع بداية الجلسة، تعبيرًا عن تضامنهم مع أسرة الطفل، مطالبين بمراجعة جميع تعيينات المدارس الخاصة، والتأكد من أهلية كل من يعمل فيها، خاصة من يخالط الأطفال.
طالبت منظمات حقوقية الوزارة بفتح تحقيق إداري مستقل مع المدرسة التي وقعت فيها الحادثة، وفرض رقابة أشد على المدارس الخاصة والدولية، ومراجعة الإجراءات التأمينية داخلها، خاصة المتعلقة بالكاميرات والمراقبة الداخلية.
كما ناشدت هذه الجهات بضرورة إنشاء وحدة لحماية الطفل داخل كل مدرسة، وتوفير مرشدين اجتماعيين قادرين على التعامل مع أي شكوى ترد من الأطفال أو ذويهم في بدايتها، بدلًا من وصول الأمور إلى المحاكم.
في حال إدانة المتهم، تنص المادة 268 من قانون العقوبات على أنه "يُعاقب بالسجن المشدد كل من هتك عرض طفل لم يبلغ 18 سنة"، وقد تصل العقوبة إلى 15 عامًا، خاصة إذا توافرت عناصر تكرار الواقعة أو إساءة استخدام المكان.
وسيكون قرار المحكمة مرهونًا بما سيُقدمه الدفاع خلال الجلسات المقبلة، وقدرة النيابة على إثبات الواقعة من خلال الشهادات والتقارير الفنية.
تُعد واقعة محاكمة موظف مدرسة بتهمة التعدي على طفل في دمنهور واحدة من القضايا التي تعكس مدى الحاجة إلى تعزيز الرقابة على المدارس، وتكثيف جهود الحماية للأطفال داخل المؤسسات التعليمية.
كما تفتح هذه القضية الباب أمام مطالب مجتمعية بإجراء إصلاحات جذرية في منظومة التعليم الخاص، من حيث اختيار الكوادر، وتحديد مسؤوليات كل عامل داخل المدرسة، وضمان عدم السماح لأي شخص بالتواجد في أماكن تجمع الأطفال دون إشراف واضح.
وفي انتظار ما ستُسفر عنه المحاكمة، يأمل الرأي العام في صدور حكم عادل ينصف الطفل ويكون عبرة لمن تسول له نفسه العبث ببراءة الأطفال.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt