في مفاجأة طبية قد تغيّر كثيرًا من المفاهيم الشائعة، كشفت دراسة حديثة أجراها فريق من الباحثين في مجال الأعصاب والمناعة عن وجود علاقة مباشرة بين بكتيريا الفم والإصابة بالصداع النصفي،
أحد أكثر أنواع الصداع انتشارًا وتأثيرًا على جودة الحياة.وقد أكد الأطباء أن تزايد نسبة بعض أنواع البكتيريا الضارة في الفم، خاصة تلك المسؤولة عن أمراض اللثة وتسوس الأسنان، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز التهابات مزمنة في الجسم، تُعد من العوامل المؤثرة في نشوء نوبات الصداع النصفي لدى الأشخاص المعرضين له.
الصداع النصفي هو نوع خاص من الصداع يصيب جانبًا واحدًا من الرأس، وقد يستمر لساعات أو حتى أيام، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بأعراض مزعجة مثل:
الغثيان أو القيء
الحساسية للضوء والصوت
تشويش في الرؤية
إرهاق عام وصعوبة في التركيز
وتؤكد الإحصائيات أن حوالي 15% من سكان العالم يعانون من نوبات صداع نصفي متكررة، تختلف شدتها من شخص لآخر.
بحسب ما أوضحته الدراسة، فإن بعض أنواع البكتيريا الموجودة في تجويف الفم، وبخاصة:
بكتيريا الفيوسوباكتيريوم (Fusobacterium)
بكتيريا البورفيروموناس (Porphyromonas)
بكتيريا العقديات (Streptococcus)
تقوم بإفراز مواد كيميائية مثل أكاسيد النيتروجين، التي تُحدث خللًا في الأوعية الدموية بالدماغ، ما يُساهم في توسعها، وهو أحد الأسباب المعروفة لنشوء نوبات الصداع النصفي.
كما أن تراكم هذه البكتيريا نتيجة ضعف النظافة الفموية أو التهابات اللثة المتكررة يؤدي إلى زيادة مستوى الالتهاب العام في الجسم، مما يُضعف من مقاومة الجهاز العصبي ويُحفّز الأعراض.
يرى الأطباء أن هناك مجموعة من الأعراض التي قد تُنذر بعلاقة بين الفم والصداع النصفي، ومنها:
نزيف اللثة المتكرر
رائحة الفم الكريهة المزمنة
وجود خراجات أو تقرحات في الفم
تحسس الأسنان أو ألم في الفك السفلي
التهابات لوزية متكررة دون سبب واضح
وفي حال كانت هذه الأعراض متزامنة مع نوبات الصداع النصفي، يُنصح بإجراء فحص شامل لدى طبيب الأسنان.
يشرح الخبراء أن البكتيريا الفموية الضارة تدخل مجرى الدم من خلال الجروح الصغيرة في اللثة، مما يؤدي إلى:
نشاط زائد في الجهاز المناعي
إفراز مركبات التهابية مثل Cytokines وInterleukins
تحفيز الخلايا العصبية المرتبطة بالألم
التأثير على الأوعية الدموية الدماغية مسببة التوسع أو التقلص
وكل هذه التغيرات الفسيولوجية تُمهّد لحدوث نوبة الصداع النصفي، خاصة في الحالات المزمنة.
أشارت بعض الدراسات الإكلينيكية إلى أن تحسين نظافة الفم وعلاج التهابات اللثة قد ساعد في تقليل تكرار نوبات الصداع النصفي لدى عدد من المرضى. وشملت هذه الإجراءات:
تنظيف الأسنان الدوري كل 6 أشهر
استخدام غسول فموي مضاد للبكتيريا
علاج تسوس الأسنان أو خلع الضروس المصابة
تناول مضادات حيوية لعلاج التهابات اللثة الشديدة
وأكد عدد من المرضى في الاستبيانات المصاحبة للدراسة أنهم شعروا بتحسن ملحوظ في شدة وتكرار الصداع بعد انتظامهم في العناية الفموية.
ليست كل حالات الصداع النصفي مرتبطة ببكتيريا الفم، لكن هناك فئات تزداد لديها احتمالية الإصابة بهذا النوع من الترابط، وتشمل:
المرضى المصابون بالسكري أو أمراض مناعية
النساء في سن الإنجاب
الأشخاص الذين يعانون من توتر نفسي أو نوم غير منتظم
من يتناولون أدوية لفترات طويلة مثل المضادات الحيوية أو مضادات الالتهاب
من لديهم تسوسات أو التهابات لثوية مزمنة
لذا فإن المتابعة المنتظمة مع طبيب الأسنان وأخصائي الأعصاب أمر ضروري في هذه الحالات.
ينصح الأطباء بمجموعة من الإجراءات البسيطة التي تُساهم في الوقاية من هذه المشكلة، ومنها:
تنظيف الأسنان مرتين يوميًا بمعجون يحتوي على الفلورايد
استخدام الخيط الطبي لإزالة بقايا الطعام بين الأسنان
تجنب السكريات والنشويات المكررة
المتابعة الدورية لدى طبيب الأسنان
الإكثار من شرب المياه لتقليل تراكم البكتيريا
تناول الخضراوات الورقية والفواكه لتعزيز المناعة الفموية
كما يُفضل التوقف عن التدخين، لأنه يُعد من العوامل الرئيسية التي تزيد من نشاط البكتيريا الضارة داخل الفم.
أوضح د. محمود شريف، استشاري المخ والأعصاب، أن هذه النتائج يجب أن تُؤخذ بجدية، خاصة في ظل انتشار الصداع النصفي عند فئة الشباب، مؤكدًا:
"نحن أمام متغير مهم.. الفم لم يعد فقط بوابة للهضم، بل صار مدخلًا لصحة الجهاز العصبي.. تنظيف الفم قد يُجنّب البعض شهورًا من الألم."
فيما أشار د. كريم عبدالعزيز، أخصائي طب الفم، إلى أن المرضى الذين يعانون من نزيف لثة مزمن عادة ما يكون لديهم أعراض مرتبطة بأمراض الجهاز العصبي، لكنهم لا يربطون بين الأمرين.
تُعد هذه الدراسة خطوة أولى نحو فهم العلاقة بين صحة الفم وصحة الدماغ، ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة المزيد من الأبحاث التي تربط بين ميكروبيوم الفم والعديد من الاضطرابات العصبية مثل:
الزهايمر
الصرع
الاكتئاب المزمن
اضطرابات النوم
ويأمل الباحثون أن تساهم نتائج هذه الأبحاث في تطوير علاجات جديدة تعتمد على إعادة التوازن البكتيري داخل الفم كمدخل لتحسين الحالة العصبية بشكل عام.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt