أعلنت منظمة أوكسفام الدولية عن تطور خطير في الأوضاع الصحية في قطاع غزة، حيث أشارت إلى ارتفاع نسبة الأمراض المنقولة عن طريق المياه إلى نحو 150%، وذلك في ظل التدهور المستمر للبنية التحتية وغياب حلول فورية لمعالجة أزمة المياه الصالحة للشرب.
وأكدت المنظمة أن الوضع الإنساني في غزة يقترب من نقطة الانهيار، وأن الأرقام التي تم رصدها تعكس كارثة صحية باتت تهدد حياة الملايين من السكان، خاصةً في ظل استمرار الحصار ونقص المساعدات الإنسانية وغياب الكهرباء والوقود.
أوضحت منظمة أوكسفام أن فرقها العاملة في غزة رصدت خلال الأشهر الأخيرة زيادة حادة في عدد الحالات المصابة بالأمراض المرتبطة بتلوث المياه، من بينها الإسهال الحاد، التهابات الجلد، التسمم البكتيري، وأمراض الكبد المعدية.
وأشارت إلى أن معظم السكان مجبرون على استخدام المياه الملوثة أو غير المعالجة سواء للشرب أو للغسيل والاستحمام، نظرًا لانهيار شبكات المياه والصرف الصحي، وتوقف محطات التحلية عن العمل بسبب نقص الوقود.
وأضاف التقرير أن نسبة السكان الذين يحصلون على مياه آمنة لا تتجاوز 5% من سكان القطاع، مما يجعل مئات الآلاف عرضة للإصابة بالأمراض.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها دق ناقوس الخطر بشأن الوضع المائي في قطاع غزة. فقد سبق أن حذرت المنظمات الدولية والأمم المتحدة من أن أكثر من 97% من المياه في غزة غير صالحة للاستهلاك الآدمي.
وتأتي تقارير أوكسفام لتؤكد أن التحذيرات السابقة لم تلق استجابة كافية، بل إن الوضع تفاقم مع مرور الوقت، خاصة بعد الحرب الأخيرة في القطاع، والتي دمرت العديد من البنية التحتية الحيوية الخاصة بالمياه والصرف الصحي.
أوضح التقرير أن الأطفال هم الأكثر تأثرًا بالأزمة الصحية، حيث ارتفعت نسبة الأمراض المنقولة بالماء في أوساط الأطفال دون سن الخامسة بنسبة غير مسبوقة، وهو ما يعكس ضعف المناعة وسوء التغذية الناتج عن الأزمة الاقتصادية والصحية.
وذكر التقرير حالات عديدة لأطفال أُصيبوا بأمراض جلدية شديدة، أو اضطرابات معوية حادة نتيجة تعرضهم للمياه الملوثة، الأمر الذي يتسبب أيضًا في تغيّبهم عن المدارس وحرمانهم من حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة.
روى بعض السكان المحليين شهاداتهم حول الوضع الصحي المتردي، حيث أكد كثيرون أنهم يضطرون إلى تخزين مياه الأمطار أو شراء مياه غير معقمة بأسعار مرتفعة جدًا، وفي كثير من الأحيان لا تكون هذه المياه صالحة للشرب، ولكنها البديل الوحيد للبقاء.
وقالت إحدى الأمهات: "طفلي أُصيب بإسهال شديد لمدة أسبوعين، ولم أتمكن من شراء الدواء له، لأن كل شيء أصبح نادرًا وغاليًا، ولا يوجد مياه نظيفة حتى أغسل أدواته."
تسبب نقص الوقود والحصار في توقف مشاريع التحلية وصيانة آبار المياه، مما أدى إلى تعطل الكثير من شبكات التوزيع ومحطات معالجة المياه، كما أن توقف الكهرباء لمدد طويلة يوميًا أدى إلى توقف المضخات عن سحب المياه أو تنقيتها.
وفي كثير من المناطق، تغرق الشوارع بمياه الصرف الصحي بسبب انسداد المجاري، مما يؤدي إلى اختلاطها بمياه الشرب وتسربها إلى الخزانات الأرضية، وهو ما يزيد من تفشي الأمراض والأوبئة.
رغم التحذيرات المتكررة من المؤسسات الإغاثية، إلا أن التحرك الدولي لم يكن بالمستوى المطلوب، حيث لا تزال المساعدات تدخل بصعوبة، وغالبًا ما تكون محدودة وغير كافية لتغطية الاحتياجات المتزايدة لسكان القطاع.
وطالبت منظمة أوكسفام المجتمع الدولي بضرورة الضغط من أجل إدخال الوقود والمعدات اللازمة لإصلاح محطات المياه والصرف، وتقديم مساعدات عاجلة لإنقاذ حياة آلاف الأسر، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، وزيادة استهلاك المياه.
أشارت أوكسفام إلى أنها تعمل على تنفيذ برامج توعية ونشر أدوات تنقية المياه المنزلية، إضافة إلى توزيع بعض المستلزمات الصحية، لكنها في الوقت ذاته أكدت أن هذه الجهود لن تكون كافية بدون تحرك سياسي شامل يسمح بإعادة بناء البنية التحتية.
كما أكدت المنظمة ضرورة دعم المبادرات المحلية التي تسعى لحفر آبار جديدة أو تطوير أنظمة تحلية منزلية بسيطة، باعتبارها حلولًا مؤقتة للتقليل من الأضرار الصحية المتفاقمة.
من خلال التقارير الرسمية ومصادر الفرق الميدانية، نستعرض فيما يلي أبرز الأرقام:
أكثر من 97% من المياه الجوفية غير صالحة للشرب.
1 من كل 3 أطفال يعاني من أمراض معوية بسبب تلوث المياه.
أكثر من 60% من الأسر لا تمتلك إمكانية الوصول إلى مصادر مياه آمنة.
ارتفاع نسبة الأمراض المنقولة عبر المياه بنسبة 150% خلال العام الجاري.
أزمة المياه ليست الوحيدة في غزة، بل إنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأزمات الأخرى مثل انقطاع الكهرباء، نقص الوقود، تراجع الوضع الاقتصادي، وانتشار الفقر والبطالة.
كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى بيئة غير صحية على الإطلاق، لا تسمح بوجود بنية تحتية فعالة لتوفير الخدمات الأساسية، مما جعل المواطنين يعيشون في دوائر متكررة من المعاناة.
تُعد مشكلة المياه في غزة من الأزمات الممتدة والمتفاقمة منذ سنوات، ولكنها في الفترة الأخيرة بلغت مستوى ينذر بالخطر الشديد، حيث باتت تهدد الصحة العامة والأمن الغذائي والحياة اليومية للمواطنين.
ويكمن الخطر الأكبر في أن هذه الأزمة لا تقتصر على توفير مياه الشرب فقط، بل تمتد إلى جوانب حياتية وصحية متعددة، أبرزها انتشار الأوبئة، وانهيار نظم الصرف الصحي، وتدهور صحة الأطفال والمسنين.
ومع استمرار الحصار وغياب أي حلول جذرية، فإن المنظمات الدولية والجهات الإنسانية تؤكد أن الحل يكمن في تحرك سياسي عاجل يعيد تشغيل المحطات، ويضمن دخول المعدات والمواد اللازمة، ودعم مشاريع البنية التحتية.
وحتى يتحقق ذلك، سيظل ملايين الفلسطينيين في غزة عرضة للأمراض والموت البطيء، في انتظار مياه نقية قد لا تأتي قريبًا، ما لم تتغير السياسات وتتحرك الإرادة الدولية لإنهاء هذه الكارثة الصامتة.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt